الجبل الذي رست عليه سفينة نوح

بعد أن عمّ الطوفان الأرض، أمر الله -سبحانه وتعالى- الأرض أن تُنشِّف وتجفّف ماؤها، وأن تتوقف السماء عن المطر، وقُضي الأمر وانتهى بهلاك القوم الكافرين، واستقرّت سفينة نوح -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين على جبلٍ يُسمّى بالجودي وَهو جبل بنصيبين فِي الموصل، وقيل أنَّ جبلَ الجودي في ناحيةٍ من الكوفة،[١][٢][٣] قال تعالى: (وَقيلَ يا أَرضُ ابلَعي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقلِعي وَغيضَ الماءُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَاستَوَت عَلَى الجودِيِّ وَقيلَ بُعدًا لِلقَومِ الظّالِمينَ).[٤]


سفينة نوح عليه السلام

عندما ضاق نوحٌ -عليه السلام- بسبب صدِّ القوم عنه وعن دعوته، وجّهه الله -سبحانه وتعالى- لصناعة السفينة، قال تعالى مخاطبًا لنوحٍ عليه السلام: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ)،[٥] قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسير الآية:(لا تخاطبني في الذين ظلموا)؛ أي لا تسألني في العفو عن هؤلاء الذي ظلموا أنفسهم من قومك، فقد قدّر الله تعالى لهم عقوبة الهلاك غرقًا، وبدأ نوحٌ -عليه السلام- ببناء السفينة بعد الأمر الإلهي، واستمرّ القوم على ديدنهم المعهود في الصدّ والرفضّ والسخرية من نوحٍ ودعوته، قال الله تعالى عنهم: (وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ قالَ إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ).[٦]


طوفان نوح

دلّ القرآن الكريم أنّ جميع من كذّب دعوة نوحٍ -عليه السلام- ممّن كان على الأرض قد أغرقوا بالطوفان، وأنّ طوفان نوح عمّ الأرض كلّها، ولم ينجُ أحدٌ إلّا ما كان على ظهر سفينة نوحٍ عليه السلام، قال الله تعالى في ذلك: (حَتّى إِذا جاءَ أَمرُنا وَفارَ التَّنّورُ قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ)،[٧] وقال أيضًا في معرضِ تكذيب قومه له واستحقاقهم للعقوبة: (فَكَذَّبوهُ فَنَجَّيناهُ وَمَن مَعَهُ فِي الفُلكِ وَجَعَلناهُم خَلائِفَ وَأَغرَقنَا الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُنذَرينَ)،[٨] وقد بيّن الكتابُ العزيز أنّ الأرض إنّما عُمرت بعد ذلك من نسل ذرية نوح -عليه السلام- فقط، قال الله تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ).[٩][١٠]


دعوة نوح عليه السلام

أرسل الله نوحًا -عليه السلام- إلى قومه؛ ليخرجهم من الشرك ويدعوهم إلى التوحيد، واستمر بدعوة قومه وحاججهم بالبراهين والحجج، وصبر على معاندتهم وأذاهم وطعنهم بدعوته، وعندما يأس نوحٌ -عليه السلام- من قومه؛ دعا الله عليهم أن ينتقم منهم، وقد بيّن الله ذلك في كتابه على لسان نوح عليه السلام؛ فقال: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)،[١١] فأوحى الله له، وثبت فؤاده وأمره أن يصنع السفينة التي ستكون سبيلًا لنجاة القوم المؤمنين من الطوفان الذي سيُغرق أعداء دعوة نوح عليه السلام، فبدأ بصناعتها امتثالاً لأمر الله عزّ وجلّ، وعندما فرغ من صُنعها أمره الله أن يَحمل عليها من آمن بدعوته، وكذلك زوجين اثنين من كل الحيوانات، وبعدها حلّ وعد الله؛ فأمطرت السماء، وغرق أهل الأرض إلا جماعة نوحٍ -عليه السلام- الذين كانوا على ظهر السفينة.[١٢]


المراجع

  1. الفيروزآبادي، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، صفحة 185. بتصرّف.
  2. الفيروزآبادي، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، صفحة 185. بتصرّف.
  3. الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 6478. بتصرّف.
  4. سورة هود، آية:44
  5. سورة هود، آية:37
  6. سورة هود، آية:38
  7. سورة سورة هود، آية:40
  8. سورة يونس، آية:73
  9. سورة الصافات، آية:76-77
  10. الشيخ محمد صالح المنجد (1/6/2009)، "هل غرق جميع من على الأرض بعد الطوفان العظيم زمن نوح عليه السلام؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 4/10/2021. بتصرّف.
  11. سورة سورة نوح، آية:26-27
  12. د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني (18/3/2019)، "سفينة نوح عليه السلام"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/9/2021. بتصرّف.