من وضع النبي إبراهيم في النار؟

قام قوم إبراهيم بإلقائه -عليه السلام- في النار، فقد قيل أن الذي أشار بإلقائه في النار هو نمرود؛ وكان ملكاً ظالماً مستبداً في زمانه، وقيل هو رجل من الكرد من أعراب فارس،[١]وقيل أن نمرود استشار أصحابه فيه، فكل واحد أشار بشيء، فقال رجل من أتباعه: حرّقه بالنار، فهو أشد لعذابه،[٢] حيث قال الله عزّ وجلّ-: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ).[٣]


إلا أنه يرد في الأدلة والأخبار الصحيحة عن تعيين وتسمية الشخص الذي أشار على قومه بحرقه، ولا عن الذي صنع المنجنيق لرمي إبراهيم -عليه السلام- في النار بواسطته، وكان قومه قد لجؤوا إلى ذلك بعدما تبين لهم قلة حيلتهم في دفع حجج إبراهيم، وببان عجزهم، وظهور الحق، واندفاع الباطل، فقاموا باستعمال القوة، وإلى الإيذاء والإضرار، والتخلص من إبراهيم -عليه السلام- جسدياً.[٤]


قصة إلقاء إبراهيم -عليه السلام- في النار

اتفق قوم إبراهيم -عليه السلام- بعد المشاورة فيما بينهم بإحراق إبراهيم -عليه السلام-؛ لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، حتى تشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له بنياناً من حجارة، ويملؤوه حطباً، ويضرموه، ثم يلقوه فيه،[٥] فقال -تعالى-: (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ)،[٦]فشرعوا يجمعون الحطب من جميع ما يمكنهم من الأماكن ليلقوه بها وجعلوا ذلك قربانًا لآلهتهم، فلم يتخلَّف صغيرٌ ولا كبيرٌ، وقيل إن المرأة منهم كانت إذا مرضت نذرت أنها إن عوفيت من مرضها لتحملنّ حطباً لحرق إبراهيم، وهذا يدل على عظم الحقدِ في صدورهم ضد إبراهيم -عليه السلام-.[٧][٨]


فقاموا بإشعال نارٍ عظيمةٍ، فتأججت والتهبت وعلا لها شررٌ لم يُرَ مثله قط، حتى كانوا يبتعدون عنها حتى لا تلفحهم هذه النار، وقيّدوا إبراهيم -عليه السلام- ووضعوه في كفة المنجنيق، وألقوه من بعيد في وسط النار، وقد قال إبراهيم -عليه السلام- عندما وضعوه في المنجنيق وألقوه في النار: "حسبي الله ونعم الوكيل"، كما صح ذلك في الحديث: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِينَ قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}).[٩][١٠]


نجاة إبراهيم -عليه السلام- من النار

أمر الله -عزّ وجلّ- النار أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم -عليه السلام-، فقال في كتابه: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)،[١١] فالله -تعالى- قد تكفّل بحفظ أنبيائه وعصمهم من أذى الناس، فصارت النار بعد إلقائه عليها برداً وسلاماً، ولم تؤثر فيه، فكانت برداً غير ضار، وسطا لا حاميةً ولا باردةً، فلم تحرقه ولم تصبه بأذى، حيث قيل أنها لم تحرق سوى وثاقَه الذي ربطوه به، فخرج منها سليماً معافًى لم يصبه أيُّ شيء،[١٢] قال -تعالى-: (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ).[١٣][١٤]


المراجع

  1. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 84. بتصرّف.
  2. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الاعيان، صفحة 376. بتصرّف.
  3. سورة الأنبياء، آية:68
  4. "من الذي أشار بتحريق إبراهيم الخليل عليه السلام ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 26/7/2022. بتصرّف.
  5. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 110. بتصرّف.
  6. سورة الصافات، آية:97
  7. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، صفحة 376. بتصرّف.
  8. عبد الله حماد الرسي، دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي، صفحة 3. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4563، صحيح.
  10. عثمان الخميس، فبهداهم اقتده، صفحة 131-132. بتصرّف.
  11. سورة الأنبياء، آية:69
  12. أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 7. بتصرّف.
  13. سورة الصافات ، آية:98
  14. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 84. بتصرّف.