حقيقة الموت
الموت واقعٌ حقيقةً على كلّ عبدٍ كما أثبتت ذلك عدّة آياتٍ قرآنيةٍ، منها: قول الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)،[١] وقوله: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)،[٢] وقوله أيضاً: (كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ)،[٣] وقد أوصى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالإكثار من ذكر الموت؛ ليكونوا العباد على استعدادٍ له بأداء الطاعات والعبادات والإقبال على الله -سبحانه-، وكان ذلك حال الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-، وفي ذلك قال عمر بن عبدالعزيز: (إذا غفل قلبي عن ذكر الموت ساعةً فسد)، ومن الأقوال الواردة في ذلك أيضاً: (مَن أكثر ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومَن نسي الموت عُوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والكسل في العبادة).[٤]
من أول من تمنى الموت من الأنبياء؟
أوّل مَن تمنّى الموت من الأنبياء بل هو النبيّ الوحيد الذي تمنّى الموت يوسف -عليه الصلاة والسلام-، فبعد أن أنعم الله -تعالى- عليه بالعديد من النِّعم اشتاق لقاء ربّه، قال -عزّ وجلّ-: (رَبِّ قَد آتَيتَني مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَني مِن تَأويلِ الأَحاديثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِمًا وَأَلحِقني بِالصّالِحينَ)،[٥] والصحيح في تفسير الآية السابقة أنّ يوسف -عليه السلام- لم يتمنَّ الموت بل تمنّى أن يتوفّاه الله -تعالى- على الإسلام،[٦] وقد تمنّى -عليه السلام- لقاء ربّه واشتاق رؤيته بعد أن أتمّ عليه بالنِّعم العديدة؛ فاجتمع بأهله وقرّت عينه برؤيتهم، ونال المُلْك، وعلّمه ما لم يكن يعلم،[٧] استشعر حينها أنّ أجله قريبٌ، وعَلِم أنّ اجتماع النِّعم له يُنذر بقُرب مفارقتها والانتقال إلى الرفيق الأعلى.[٨]
حكم تمني الموت
تجدر الإشارة إلى أنّه لا يجوز تمنّي الموت، وقد وردت عدّة أدلةٍ في ذلك، منها: ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن الصحابي أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، فإنْ كانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي)،[٩] وما أخرجه الإمام مسلم أيضاً في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (لا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ، ولا يَدْعُ به مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهُ، إنَّه إذا ماتَ أحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وإنَّه لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلَّا خَيْرًا)،[١٠] أمّا تمنّيه من يوسف -عليه السلام- فيُفسّر على وجهَين؛ الأول: أنّه كان جائزاً في شريعة يوسف -عليه السلام-، الثاني: جواز تمنّيه عند ظهور الفتن والخوف على الدِّين وقد خاف يوسف -عليه السلام- من أن يُفتن بالمُلك أو بالعلم الذي آتاه الله إيّاه.[١١]
المراجع
- ↑ سورة الجمعة، آية:8
- ↑ سورة النساء، آية:78
- ↑ سورة الأنبياء، آية:35
- ↑ د. أمين بن عبدالله الشقاوي (31/10/2012)، "الموت وعظاته"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/8/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:101
- ↑ قاسم عاشور، كتاب 1000 سؤال وجواب في القرآن [قاسم عاشور]، صفحة 319.
- ↑ شمس الدين القرطبي، التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، صفحة 117.
- ↑ مصطفى العدوي، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي، صفحة 10. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6351، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2682، صحيح.
- ↑ شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 269. بتصرّف.