أرسل الله -سبحانه وتعالى- نبيه نوح -عليه الصّلاة والسّلام- إلى قومه داعيًا إياهم إلى عبادة الله تعالى وحده بعد أن زاغوا عن التوحيد إلى الشرك بالله تعالى وعبادة الأصنام التي صنعوها لأوليائهم الصالحين المؤمنين؛ فقوم نوحٍ كانوا قبل ذلك على دين التوحيد الذي كان عليه آدم عليه الصلاة والسلام، وكان في الأجيال القديمة الصالحة من قوم نوح رجال صالحون، هم: ودٌ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، فبعث الله لهم نوحًا عليه الصلاة والسلام؛ فأنكر عليهم عبادة غير الله -عزّ وجلّ- والاشراك به، لكنّهم أصرّوا على الكفر والضلال، ودعاهم بأساليب وطرق مختلفةٍ مدةً طويلةً بلغت تسعمئة وخمسين سنةً كما جاء في قول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ[١] حيث مكث نوحٌ -عليه السلام- يدعو قومه ليلًا ونهارًا، وسرًا وعلانيةً، ويرشدهم إلى توحيد الله وترك ما هم عليه، وهم يردّون عليه بالسخرية والاستهزاء والكفر والتكذيب، كما جاء في قول الله تعالى على لسان نوحٍ عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا).[٢][٣][٤]


طوفان نوح عليه السلام

سبب طوفان نوح

لمّا أصرّ قوم نوحٍ على الكفر والضلال والإعراض، أمر الله تعالى نوحًا -عليه الصلاة والسلام- أن يصنع السفينة كما جاء في قول الله تعالى: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ)،[٥] ولمّا انتهى من صنعها أخبره الله تعالى أنّه سيُهلك القوم الكافرين ويغرقهم بطوفان ماءٍ عظيمٍ، وأمره الله تعالى أن يحمل معه في السفينة المؤمنين من البشرِ وزوجين اثنين -ذكرٌ وأنثى- من كلّ المخلوقات الحيَّة، حيواناتٍ وطيورٍ وحشراتٍ وزواحفٍ، يقول الله تعالى: (حَتّى إِذا جاءَ أَمرُنا وَفارَ التَّنّورُ قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ)،[٦] وركبوا في السفينة مستعينين بالله تعالى.[٧][٨]


كيف حدث طوفان نوح؟

أمطرت السماء ماءً غزيرًا وارتفع الماء في الأرض وغمر الجبال والسهول وأغرق كلّ شيءٍ، وعمّ الطوفان كلّ من في الأرض إلا سفينة نوحٍ -عليه السلام- ومن فيها، واستوت سفينة نوحٍ راسيةً على جبل الجوديّ، ونقص الماء وتوقفت السماء عن المطر، وابتلعت الأرض الماء بأمر الله تعالى، ونجا المؤمنون وهلك المجرمون، قال الله -عزّ وجلّ- في سورة هود: (وَقيلَ يا أَرضُ ابلَعي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقلِعي وَغيضَ الماءُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَاستَوَت عَلَى الجودِيِّ وَقيلَ بُعدًا لِلقَومِ الظّالِمينَ).[٧][٨]


هل غرق كلّ من كان على الأرض بالطوفان؟

ذكر علماء التفسير أنّ طوفان نوحٍ قد عمّ الأرض جميعها طولًا وعرضًا وشمل كلّ ما عليها، قال الشنقيطي في تفسيره: "فصارَ طوفانًا جارفًا أَهْلَكَ جميعَ مَنْ على وجهِ الأرضِ، مِنْ كُلِّ ما هو حَيٌّ إلا مَنْ كان في تلك السفينةِ"،[٩] حيث أنّ الماء الذي انهمر من السماء كان غزيًا جدًّا لم تشهد الأرض مثله قبل؛ فأغرق سهولها وجبالها وكلّ ما فيها إلا ما كان على ظهر سفينة نوح عليه السلام.[١٠]


قصة ابن نوح عليه السلام

كان ابن نوحٍ -عليه السلام- من جملة الكافرين، ونادى نوحٌ -عليه السلام- عليه بعد صعوده السفينة؛ بأن يؤمن بالله تعالى ويلتحق به ومن آمن على ظهر السفينة؛ لينجوا من عذاب الله والهلاك الذي سيحلّ بالكافرين، إلّا أنّ ابنه استكبر ورفض، وظنّ أنّه إن صعد إلى ظهر جبلٍ؛ سيوقى من الماء وينجو، فنبّهه نوحٌ أنّه لن يُعصم وينجو من عقاب الله تعالى إلا من شملتهم رحمته من المؤمنين؛ كما جاء في قوله تعالى: (قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّـهِ إِلّا مَن رَحِمَ)،[١١] فأهلك الله تعالى ابن نوحٍ بإغراقه كما أغرق كلّ من كان على الأرض من الكافرين، قال تعالى في ابن نوحٍ: (وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ).[١٢][٨]


المراجع

  1. سورة العنكبوت، آية:14
  2. سورة نوح، آية:5-9
  3. الموسوعة الحديثية، "شرح حديث صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ"، الدرر السَّنيَّة ، اطّلع عليه بتاريخ 13/9/2021. بتصرّف.
  4. إسلام ويب (23/09/2016)، "قصة نوح عليه السلام في القرآن"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 13/9/2021. بتصرّف.
  5. سورة هود، آية:37
  6. سورة هود، آية:40
  7. ^ أ ب سورة هود، آية:44
  8. ^ أ ب ت [مجموعة من المؤلفين]، التفسير الوسيط مجمع البحوث، صفحة 199-197. بتصرّف.
  9. محمد الأمين الشنقيطي، العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، صفحة 463.
  10. "طوفان نوح عليه السلام.. محلي أم عالمي"، إسلام ويب، 09/06/2013، اطّلع عليه بتاريخ 29/09/2021. بتصرّف.
  11. سورة هود، آية:43
  12. سورة هود، آية:43