دعوة موسى لفرعون وقومه
بُعِث كليم الله موسى -عليه السلام- لدعوة فرعون وقومه إلى التوحيد وعبادة الله -تعالى- وحده، ولنهيهم عن الإفساد في الأرض، وبيّن الله -سبحانه- لنبيّه موسى أسلوب الدعوة الحكيم، فقال -سبحانه-: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى).[١][٢]
وقد شدّ عضده بأخيه هارون -عليه السلام-، وأمرهما بالرّفق في دعوة فرعون، وكل ذلك من باب المبالغة في إقامة الحجّة، قال -تعالى-: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).[٣][٢]
إقامة الحجة على فرعون ورفضهم الدعوة
أيّد الله -تعالى- نبيّه موسى -عليه السلام- بالمعجزات الدالّة على صدق نبوّته ورسالته، ومنها معجزة العصا، قال -تعالى-: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)،[٤] ومنها أيضاً أنّه يُدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء، وغيرها من المعجزات التي ظهرت فيما بعد،[٥] فما كان من فرعون إلا أن اتّهم موسى -عليه السلام- بالسّحر بعد أن دعاه برفقٍ ولين وأقام عليه الحجة بالمعجزات، قال -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ).[٦][٧]
تحديد موعد اللقاء بين موسى والسّحرة
بعد أن اتّهم فرعون موسى بالسّحر أمر بتحديد وقتٍ للقاء السّحرة مع موسى -عليه السلام- حتى يُبيّن للنّاس ما يدّعيه ويزعمه من نسبة الكذب والسحر لموسى -عليه السلام-، حيث جاء في الآيات: (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى).[٨][٩]
وقد ردّ موسى -عليه السلام- على فرعون: (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)؛[١٠] أي إنّ الموعد سيكون في يوم العيد حيث يجتمع النّاس ويتفرّغون للمشاهدة، وخلال تلك المدّة كان فرعون يجمع السّحَرة ويتخيّرهم بعناية حتى لا يُهزم أمام الناس.[٩]
ظهور الحقّ وإيمان السّحرة
جاء اليوم الموعود، وخَيَّر السّحرة النبيّ موسى -عليه السلام- بين إلقاء عصِيّهم أو عصاه، قال -تعالى-: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى)،[١١] فقال لهم موسى -عليه السلام- أن يُلقوا عصِيّهم أولاً، فتفاجأ النبي موسى عندما خُيِّل إليه أنّ العُصِيَّ تتحرك وتسعى، ولكنّ الله -تعالى- طمأنه وهدّأ من روعه، وأمره بإلقاه عصاه، وما أنْ ألقى موسى عصاه حتى أبطلت كلّ سحرهم، وابتلعت حبالهم وعصيّهم في مشهدٍ عظيمٍ أمام الناس.[١٢]
وهنا ظهر الحقّ وزهق الباطل، قال -تعالى-: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)،[١٣] ولِعظم هذا المشهد ما كان من السّحرة كلّهم إلا أن سجدوا لله -تعالى- مؤمنين بوحدانيّته وعظيم قدرته، قال -تعالى-: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى).[١٤][١٢]
نجاة موسى وقومه وغرق فرعون
بعد أن آمن السّحرة هدّدهم فرعون وتوعّدهم بالعذاب الشديد، وذنبهم هو إيمانهم دون رضاه وإذنه، وقد قال -تعالى- واصفاً تهديد فرعون لقومه: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)،[١٥] ولكنّ قومه الذين آمنوا لم يأبهوا لوعيده، وظلّوا صابرين وثابتين على إيمانهم الحقّ.[١٦]
وهنا أذِن الله -تعالى- لموسى -عليه السلام- وقومه بالخروج من مصر ليلاً، وأمر نبيّه موسى أن يتوجّه بهم إلى البحر، ولما علِم فرعون بذلك جمع جنده من كل مكان ولحق بموسى -عليه السلام- ومَن معه، ثمّ أرشد الله -تعالى- نبيّه موسى أن يضرب بعصاه البحر، ولمّا فعل ذلك انقسم البحر إلى قِسمين، وتمهّد له ولقومه الطريق وخرجوا بسلامٍ، أمّا فرعون وجنوده فانطبق عليهم البحر أثناء سيرهم في هذا الطريق، وغرقوا جميعاً، وأهلكهم الله -تعالى-.[١٧]
المراجع
- ↑ سورة النازعات، آية:17-19
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 153-154، جزء 31. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:43-44
- ↑ سورة الشعراء، آية:45
- ↑ محمد أبو زهرة، المعجزة الكبرى القرآن، صفحة 289. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:76
- ↑ عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، صفحة 118، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:58
- ^ أ ب عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، صفحة 802، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:59
- ↑ سورة طه، آية:65
- ^ أ ب أبو البركات النسفي، تفسير النسفي، صفحة 372-373، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:69
- ↑ سورة طه، آية:70
- ↑ سورة الأعراف، آية:124
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 706، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد حجازي، التفسير الواضح، صفحة 498، جزء 2. بتصرّف.