موسى عليه االسّلام

هو نبيّ الله تعالى وكليمه؛ موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السّلام، أرسله الله تعالى إلى فرعون وإلى المصريين وبني إسرائيل، وهو واحدٌ من أولي العزم من الرسل عليهم السّلام، ووردت قصّته في مواطن عدّةٍ من القرآن الكريم منها ما كان مفصّلًا ومنها ما كان مجملًا،[١][٢] وفيما يأتي تفصيلٌ لقصّته ومواقف من حياته عليه السّلام.


وقفات من حياة موسى عليه السّلام

مولد موسى ونشأته

ولد موسى -عليه السّلام- في مصر، وكان الفرعون الحاكم لمصر في وقتها طاغيةً متجبّرًا يقتل كلّ مولدٍ ذكرٍ يولد فيها في سنةٍ ويدعهم في السنة الأخرى، يقول الله تعالى واصفًا فرعون: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ"؛[٣] خشية تهديد الذكور لملكه بعد رؤيا رآها في منامه،[٤] فأخفت أمّ موسى -عليه السّلام- حملها عن الناس، حتى لا يصل الخبر إلى حاشية فرعون، وبعد أن ولدت نبيّ الله موسى، أمرها الله تعالى بأن ترضعه وتضعه في تابوتٍ وتلقيه في البحر، وطمأنها بأنّه سيحميه ويردّه لها، ففعلت ذلك، وشاء الله تعالى أن يلتقطه آل فرعون ويربّى في قصره برجاءٍ وطلبٍ من آسيا زوجة فرعون، فكانت نشأت موسى -عليه السّلام- في قصر فرعون، قال الله تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ* وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"،[٥] وردّ الله تعالى موسى إلى أمّه بعد رفضه للمرضعات كلّهنّ؛ فأرشدت أخته آل فرعون إلى أمها كي ترضعه فأرضعته.[٢]


مغادرة موسى لمصر

بعد أن كبر موسى -عليه السّلام- واكتمل رشده، اضطر لمغادرة مصر؛ وذلك بعد أن قتل خطأً من غير قصدٍ رجلًا قبطيًّا حين طلب رجلٌ من قومه بني إسرائيل أن ينصره على القبطي كما جاء في قول الله تعالى: "فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَـذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ"،[٦] وندم موسى واستغفر الله تعالى على ما كان، وأصبح خائفًا من المصريّن قوم الرجل الذي قتله، وعاد ذات الرجل من بني إسرائيل الذي طلب منه النصرة بالأمس يستغيثه لينصره على رجلٍ آخر، فجاءه رجلٌ من قوم فرعون يُحذّر موسى -عليه السّلام- وينصحه بالخروج من مصر؛ لأنّ قوم فرعون يتشاورون في قتله، فخرج موسى -عليه السّلام- من مصر خائفاً داعيًا الله تعالى أن ينجيه من ظلم قوم فرعون كما جاء في قول الله تعالى: "فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ".[٧][٨]


عمل موسى وزواجه

بعد خروج موسى -عليه السّلام- من مصر، اتّجه إلى مدين، وعند وصوله إلى عين ماءٍ فيها وجد جمعًا يسقون أغنامهم، ووجد فتاتين تقفان بعيدًا تنتظران انتهاء القوم من السقاية، فسقى لهما موسى -عليه السّلام- وأخبرت الفتاتان أباهما بما فعله موسى؛ فعادت إحدى الفتاتين إليه تخبره أنّ أباها يريد مجازاته لقاء ما فعل معهما، فزوّجه إحدى بناته مقابل أن يعمل موسى عنده ثماني سنواتٍ أو عشرةً إن رغب، فعمل موسى عنده، وبعد انقضاء المدّة خرج موسى مع أهله راجعًا إلى مصر.[٨]


بعثة موسى نبيًّا

أثناء عودة موسى -عليه السّلام- برفقة أهله إلى مصر تاهوا في الطريق واشتدت عليهم الظلمة والبرد، وشاهد موسى -عليه السّلام- ضوء نارٍ فاتجه صوبه؛ ليأخذ منها جذوةً، وعند وصوله إليها، ناداه الله تعالى وأخبره أنّه اختاره ليكون نبيًّا لبني إسرائيل وإلى فرعون: "فَلَمّا أَتاها نودِيَ يا موسى* إِنّي أَنا رَبُّكَ فَاخلَع نَعلَيكَ إِنَّكَ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى* وَأَنَا اختَرتُكَ فَاستَمِع لِما يوحى"،[٩] فأبدى موسى خوفه من دعوة فرعون وقومه؛ لأنه قتل منهم نفسًا، فطمأنه الله تعالى وأجاب طلب موسى بأن يُرسل معه أخاه هارون؛ لكونه أفصح وأوضح منه لسانًا كما جاء في قوله تعالى: "قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ* وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ* قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ"،[١٠][١١] وأعطاه معجزتين لتأييده وتأكيد صدقه أمام فرعون وقومه تمثّلتا بعصاه التي تستحيل حيّة تسعى عند إلقائها، وبإدخال يده في جيب قميصه فتخرج بيضاء من غير سوء.[١٢]


مواجهة موسى لسحرة فرعون

دعا موسى ومعه أخوه هارون -عليهما السّلام- فرعونَ وملأه للإيمان بالله تعالى وتوحيده؛ فاستكبر فرعون ومن معه وطلب من موسى وهارون آياتٍ دالّةً على صدقهم فأراه موسى معجزتي العصا ويده، فاتهمه بالسحر والكذب، وأمر فرعون بأن يجتمع السحرة؛ ليواجهوا موسى، فاجتمعوا وألقى السحرة حبالهم وعصيهم ثمّ ألقى موسى عصاه فتحوّلت إلى حيّةٍ ابتلعت ما صنعه السحرة، وآمن السحرة لمّا تأكّدوا من صدق دعوة موسى، فنقم فرعون عليهم وهدّدهم كما جاء في قول الله تعالى: "قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ".[١٣][١٤]


خروج موسى مع بني إسرائيل

مع استمرار استكبار فرعون وتهديده لمن آمن مع موسى، أمر الله تعالى موسى -عليه السّلام- بأن يخرج ومن آمن معه من مصر باتجاه البحر، ومكّنهم الله تعالى من اجتياز البحر، ثمّ لحقهم فرعون وجنوده فغرقوا ولم يجتازوه كما جاء في قوله تعالى: "وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حَتّى إِذا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ المُسلِمينَ* آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدينَ* فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً"،[١٥][١٦] وبعد أن نجّا بنو إسرائيل من فرعون ورؤية آياتٍ كثيرةٍ دالةٍ على صدق موسى، مرّوا على قومٍ يعبدون الأصنام؛ فطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا مثلهم، فنهرهم موسى وبيّن لهم بطلان وسوء ما يطلبون، وما أن خرج موسى -عليه السّلام- لموعده مع ربّه، وأخلف على بني إسرائيل أخاه هارون، حتّى أضل السامريّ بني إسرائيل فعبدوا عجلًا مصنوعًا من ذهبٍ رغم نصح هارون وتنبيهه لهم، ولما عاد موسى إليهم غضب لما كان من حالهم وأحرق العجل الذي أخذوا يعبدوه.[١٧]


مرافقة موسى للخضر

جاء في سورة الكهف تفصيلٌ للقاء موسى -عليه السّلام- للخضر وهو أحد الصالحين الذين آتاهم الله تعالى علمًا غزيرًا، ورغب موسى في لقاء الخضر؛ ليتعلّم منه، وسافر هو وفتاه في البحر حتّى التقيا بالخضر، ورافقه موسى ليتعلّم منه، وأمره الخضر أن يصبر ولا يسأل عن شيءٍ حتّى يبيّو له هو، وما أن سارا حتى وجدا سفينةً فخرقها واعترض عليه موسى، ثمّ وجد غلامًا فقتله فاعترض عليه موسى ثانيةً، ثمّ وجد جدارًا آيلًا فأقامه فاعترض عليه موسى ففارقه عندها الخضر بعد أن علّمه وبيّن له بأنّ خرق السفية كان لوجد ملك يأخذ السفن من أصحابها بالغصب، وقتل الغلام كان لأنّه سيرهق أبويه بكفره وطغيانه، وأمّا الجدار الذي أقامه؛ فلأن تحته كنزٌ ليتيمين ضعيفين أخرجه لهما ثم أعاد إقامة الجدار، وفي مرافقة موسى -عليه السّلام- للخضر وسؤاله دلالةٌ على حرصه على العلم وتحمّله لمشقة الرحلة في طلبه.[١٨]


المراجع

  1. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 3. بتصرّف.
  2. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 264-270. بتصرّف.
  3. سورة القصص، آية:4
  4. أبو المظفر السمعاني، تفسير السمعاني، صفحة 121. بتصرّف.
  5. سورة القصص، آية:7-9
  6. سورة القصص، آية:15
  7. سورة القصص، آية:21
  8. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، المنتخب في تفسير القرآن الكريم، صفحة 577-579. بتصرّف.
  9. سورة طه، آية:11-13
  10. سورة القصص، آية:33-35
  11. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 24-30. بتصرّف.
  12. عمر الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 128-129. بتصرّف.
  13. سورة الشعراء، آية:49
  14. ياسر برهامي، القصص القرآني، صفحة 3-13. بتصرّف.
  15. سورة يونس، آية:90-92
  16. وهبة الزحيلي، التفسير الميسر، صفحة 254-256. بتصرّف.
  17. مجموعة من المؤلفين، موسوعة الملل والأديان، صفحة 31. بتصرّف.
  18. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 481-482. بتصرّف.