تعريف المعجزة

المعجزة في اللغة من الجذر اللغويّ عجز، وعجز عن الشيء أي ضعف عنه ولم يقدر عليه؛ فالمعجزة ما يعجز الإنسان عمله،[١] وأمّا عن معناها في الاصطلاح؛ فهي أمرٌ خارقٌ للعادة، مقترنٌ بالتحدي، سالمٌ من المعارضة، يجريه الله تعالى على يد أنبيائه؛ ليكون دلالةً على صدقهم أمام أقوامهم، ومعنى أنّه خارقٌ للعادة؛ أي أنّه مخالفٌ لما تقتضيه وتجري عليه عادات الأمور؛ كحرارة النار وبرودة الثلج، وهي مقرونةٌ بالتحدي؛ لأنّ غرضها تحدي القوم الذي كانت المعجزة أمامهم أن يأتوا بمثلها حتى تُقام الحجّة عليهم، والمعجزات سالمةٌ من المعارضة؛ أي أنّ أحدًا لا يستطيع الإتيان بمثلها، ويجريها الله تعالى على أيدي الأنبياء؛ أي أنّ مصدرها الله تعالى وهو الذي يمكّن الأنبياء فقط من الإتيان بها بأمره وقدرته.[٢]


وقد انقسمت معجزات الأنبياء -عليهم السّلام- إلى قسمين:[٣]

  • معجزاتٌ حسيّةٌ: وهي المعجزات المشاهدة بالبصر، يراها الناس عيانًا، كتحوّل عصا موسى -عليه السّلام- لحيّةٍ تسعى، وإخراج صالح -عليه السّلام- للناقة من صخرةٍ.
  • معجزاتٌ معنويّةٌ: وهي التي يعيها الإنسان ببصيرته؛ كالقرآن الكريم معجزة محمد عليه الصّلاة والسّلام.


معجزات الأنبياء

معجزات نوح عليه السّلام

تمثّلت معجزة نبي الله نوح -عليه السّلام- في السفينة؛ ذلك أنّ الله تعالى أمره أن يصنع سفينةً كما في قوله تعالى: "وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا"،[٤] وكان كلّ من مرّ بنوح من قومه يسخر منه؛ استغرابًا واستبعادًا؛ لأن تسير السفينة على الرمال، فشاءت قدرة الله أن تهطل الأمطار وتتفجر عيون ماءٍ من الأرض، وسارت سفينة نوحٍ بمن عليها من المؤمنين وغرق الذين كذبوا نوحًا واستكبروا على الإيمان بالله وتوحيده.[٥]


معجزات صالح عليه السّلام

كانت معجزة صالح -عليه السّلام- من جنس ما برع قومه به؛ حيث برع قومه بالنحت في الصخر، فكانت معجزة صالح بأن نحت في الصخر ناقةً وبُثّت فيها الروح بإذن الله تعالى، فكانت ناقةً من الصخر إلّا أنّ فيها الروح؛ تأكل وتشرب وتدرّ لهم الحليب،[٦] لكنّهم رغم عظم المعجزة وتحذير صالح -عليه السّلام- لم يستجيبوا لصالح وقتلوا الناقة فأهلكهم الله تعالى جزاء ذلك.[٧]


معجزات داود عليه السّلام

أيد الله تعالى نبيّه داود -عليه السّلام- بمعجزاتٍ تمثّل في إلانة الحديد له؛ فكان يصنّعه ويشكّله في يديه كأنّه حبلٌ من القطن، ويصنع منه دروعًا، ومن معجزاته تسبيح الجبال والطير معه حين يسبّح، كما جاء في قوله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".[٨][٩]


معجزات سليمان عليه السّلام

أيّد الله تعالى سليمان -عليه السّلام- بمعجزاتٍ تمثّلت في تسخير الله تعالى الرياح له تجري كيف يشاء، وتسخير الجنّ له كذلك؛ حيث كان يكلّفهم بما شاء من الأعمال النافعة، وإسالة النحاس بين يديه يشكّله ويصنع منه ما ينفع كما جاء في قول الله تعالى: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ"،[١٠] ومن معجزات سليمان محادثته وتواصله مع ما لا ينطق كالطير والحشرات والنبات والجماد وخصّ الله تعالى الطير بالذكر قي قوله: "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ".[١١][١٢]


معجزات إبراهيم عليه السّلام

ذكر القرآن الكريم معجزتين من معجزات إبراهيم عليه السّلام، هما:[١٣]

  • استحالة النار بردًا وسلامًا عليه: لم تحرق النار إبراهيم -عليه السّلام- عندما ألقاه قومه فيها بعد أن حطّم أصنامهم، فالمعجزة تمثّلت في أن تسلب النار خاصيّة الإحراق وتتحوّل بردًا وسلامًا على إبراهيم، قال تعالى: "قُلنا يا نارُ كوني بَردًا وَسَلامًا عَلى إِبراهيمَ* وَأَرادوا بِهِ كَيدًا فَجَعَلناهُمُ الأَخسَرينَ".[١٤]
  • إحياء الطير: وذلك بعد أن سأل إبراهيمُ -عليه السّلام- اللهَ تعالى أن يُريه كيف يحي الموتى، فأمره الله بأن يأخذ أربعةً من الطير ويقطّعها، ويفرقها على جبالٍ عدّةٍ، ثم ينادي عليها، فلمّا ناداها عادت إليه حيّةً مجتمعة الأجزاء بإذن الله تعالى.


معجزات موسى عليه السّلام

أيّد الله تعالى موسى -عليه السّلام- بعددٍ من المعجزات، هي:[١٥]

  • العصا: حيث جعل الله تعالى عصا موسى تستحيل حيّةً تسعى حين يلقيها، وتعود لما كانت عليه إذا أمسكها، كما جاء في قول الله تعالى: "وَما تِلكَ بِيَمينِكَ يا موسى* قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمي وَلِيَ فيها مَآرِبُ أُخرى* قالَ أَلقِها يا موسى* فَأَلقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسعى* قالَ خُذها وَلا تَخَف سَنُعيدُها سيرَتَهَا الأولى"[١٦]
  • اليد البيضاء: حيث كان موسى -عليه السّلام- يدخل يده في جيب قميصه فتخرج بيضاء بلا شائبةٍ، كما في قوله تعالى: "وَاضمُم يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخرُج بَيضاءَ مِن غَيرِ سوءٍ آيَةً أُخرى".[١٧]
  • آيات تسعة أُرسل بها موسى -عليه السّلام- إلى فرعون: أرسل الله تعالى على بني إسرائيل سبع آياتٍ حلّت بهم تصديقًا لدعوة موسى التي يكذّبون بها، لكنّ هذه الآيات لم تجري على يدي موسى كالعصا وبياض اليد، وتمثّل الآيات التي حلّت ببني إسرائيل بالجدب والقحط، ونقص الثمر بفعل الآفات التي تصيبه، والطوفان الذي يهدم الزرع والبنيان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم الذي يُصيب طعامهم وشرابهم.


معجزات عيسى عليه السّلام

أيّد الله تعالى عيسى بمعجزاتٍ عدّةٍ؛ كإنزال مائدةٍ من السماء للحوارين حين طلبوا منه ذلك، وإحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه -أي من ولد أعمى-[١٨] بإذن الله تعالى، ونفخ الروح في الطير الذي يشكّله من الطين وإحياء الموتى بإذن الله تعالى، كما جاء في قول الله تعالى: "وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي".[١٩][١٣]


معجزات محمد عليه السّلام

أيّد الله تعالى نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بمجزةٍ خالدةٍ لرسالته الخالدة؛ وهي القرآن الكريم، الذي تحدّى فيه العرب أصحاب البلاغة والفصاحة على أن يأتوا بمثله فعجزوا، قال الله تعالى: "قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا"،[٢٠] كما خصّه الله تعالى بأمورٍ دالةٍ على صدق نبوّته؛ كانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه عليه السّلام، وتكليم الذراع المسمومة له، وبكاء الجذع التي كان يخطب عندها حنينًا إليه، وتكثيره الطعام وبركته، وحادثة الإسراء والمعراج.[٣][١٣]


المراجع

  1. "تعريف وشرح معنى معجزة"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 09-08-2021. بتصرّف.
  2. فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 257-258. بتصرّف.
  3. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 140. بتصرّف.
  4. سورة هود، آية:37
  5. محمد حسن عبد الغفار، شرح كتاب أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، صفحة 6. بتصرّف.
  6. فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 10. بتصرّف.
  7. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 145. بتصرّف.
  8. سورة سبأ، آية:10-11
  9. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 405-407. بتصرّف.
  10. سورة سبأ، آية:12
  11. سورة النمل، آية:16
  12. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 422-427. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت عمر الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 127-130. بتصرّف.
  14. سورة الأنبياء، آية:69-70
  15. سورة طه، آية:17-21
  16. سورة طه، آية:22
  17. "تحليل الأكمه من سورة المائدة"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 12-08-2021.
  18. سورة المائدة، آية:110
  19. سورة الإسراء، آية:88