قصة سيدنا لوط مع الملائكة

قصّ القرآن الكريم خبر سيدنا لوط -عليه السلام- مع الملائكة الكرام في عدّة مواضع؛ وذلك في سياق الحديث عن قدوم الملائكة ضيوفاً عند سيدنا لوط -عليه السلام-، وإقبال القوم إليه لينازعوه عن هؤلاء الضيوف، بالإضافة إلى الحديث عن الإنذار بالعذاب، ومجيء الملائكة -عليهم السلام- بهذه الأنباء إلى لوط وقومه، وبيان ذلك على النحو الآتي:


قصة ضيوف لوط من الملائكة

حلّت الملائكة ضيوفاً في قوم لوط -عليه السلام- بهيئة بشريّة، قيل على صورة شبّان حسان الوجوه،[١] كما قيل إنّ عدد هؤلاء الملائكة كان اثني عشر ملكاً، وقيل كانوا ثلاثة؛ هم جبريل وإسرافيل وميكائيل -عليهم السلام-،[٢] ولمّا وصلوا إلى بيت لوط -عليه السلام- جاء القوم إليهم مسرعين ومستبشرين؛ مظهرين مدى فجورهم وشذوذهم؛ معلنين فاحشتهم أمام الجميع، متجمهرين للحصول على ملذاتهم دون خجل أو حياء.[١]


ولكن لوطاً -عليه السلام- وقف حائلاً بين قومه وبين ضيوفه، مقدماً لهم البدائل بتزوّج النساء دون الرجال، مناشداً لهم بالتقوى وعدم إظهار الفضيحة، لكنّهم أصروا واستكبروا على ذلك؛ حتى ضرب جبريل -عليه السلام- بجناحيه الأرض، وأعمى أبصارهم؛ وقد قال -تعالى- في وصف ذلك: (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ* قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ* وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ* قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ* قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ).[٣][٤]


وقال -تعالى- في موضع آخر: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ* قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ* قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ).[٥][١]


إنذار الملائكة قوم لوط بالعذاب

وعظ لوط -عليه السلام- قومه، ونصحهم نهاهم عن إتيان الفاحشة، وخوّفهم من سوء العذاب والعقاب من الله -تعالى-؛ لكنّهم طغوا وتجبّروا وتوعّدوه بالرجم والإخراج؛ ولمّا اشتدّ عليه الأمر ورفضوا دعوته، وأرادوا أذيّته؛ أتته الملائكة بخبر هلاك القوم؛ وأمروه أن يخرج مع المؤمنين من القرية التي سيحلّ بها العذاب الأليم صبيحة اليوم التالي؛ قال -تعالى-: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ* وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ).[٦][٧]


وفي آية أخرى استثنت الملائكة -عليهم السلام- امرأة لوط من الناجين؛ فقال -تعالى- على لسان الملائكة الكرام: (قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)؛[٨] وذلك لأنّها كانت تُخبر القوم عن ضيوف لوط -عليه السلام-، وتوافقهم على فعلهم ومنكراتهم، دون أن تشاركهم بها، فأهلكها الله -سبحانه- مع الهالكين.[٧]


اتصال قصة لوط بقصة إبراهيم عليهما السلام

اتصلت قصّة سيدنا لوط بقصة سيدنا إبراهيم -عليهما السلام- في أمر الملائكة المرسلين؛ حيث قدموا إلى إبراهيم -عليه السلام-، وكانوا ضيوفه أولاً؛ مُحمّلين بالبشرى له ولزوجه بابنه إسحاق -عليه السلام-، ثم أخبروه بأنّهم مبعوثون إلى قوم لوط -عليه السلام-؛ ليُوقعوا بهم العذاب الشديد؛ فجادل إبراهيم -عليه السلام- الملائكة الكرام -وهم رسل الله تعالى- في أمر القوم، سائلاً ربّه -سبحانه- أن يتلطّف بهم، وأن يُخفف عنهم.[٩]


ولكنّ المولى -سبحانه- بحكمته البالغة؛ أعلم إبراهيم أنّ أمر الله قد حلّ، وأنّ وعده لهؤلاء العصاة لن يُردّ عنهم؛ وقيل إنّ شفاعة إبراهيم -عليه السلام- كانت للمؤمنين من قوم لوط -عليه السلام-، فجاءه الردّ أنّ الله -سبحانه- أعلم بهم، وأنّه سيُنجيهم من عذاب القرية وأهلها، وعندها انطلقت الملائكة إلى قرية سدوم، إلى لوط -عليه السلام- لتُعلمه بأمر العذاب والإهلاك.[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ت سعيد حوى، الأساس في التفسير، صفحة 2891- 2892، جزء 6. بتصرّف.
  2. أيوب صبري باشا، موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب، صفحة 207، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة الحجر، آية:67-71
  4. مجير الدين العليمي، الأنس الجليل، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
  5. سورة هود، آية:78-80
  6. سورة الحجر، آية:65-66
  7. ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 281-284، جزء 8. بتصرّف.
  8. سورة هود، آية:81
  9. ^ أ ب عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، صفحة 1173-1175، جزء 6. بتصرّف.