لوط عليه السلام

ذكر أهل السير التاريخ أنّ نسب لوط -عليه السلام- يعود إلى هارون بن تارح وتارح هو آزر، كما أنّ لوط -عليه السلام- هو ابن أخ النبي إبراهيم -عليهما السلام-؛ وقد كانا مبعوثين في ذات الفترة الزمنية؛ قال -تعالى-: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ)،[١] ولقد صرّح القرآن الكريم باسم لوط -عليه السلام- في أكثر من خمسة وعشرين موضعاً.[٢]


قوم لوط عليه السلام

أرسل الله -سبحانه- النبي لوط -عليه السلام- إلى أهل سدوم؛ وهي قرية تقع شرق النهر في غور الأردن على البحر الميت على أقوال بعض المؤرخين،[٣] وقد كانوا من أسوأ الأقوام أخلاقاً؛ فقد كانوا يقطعون الطريق، ويأتون أقبح الفواحش والمنكرات، قال -تعالى- على لسان نبيّه لوط -عليه السلام-: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ).[٤][٥]


حيث ابتدع قوم لوط فاحشةً لم يأتِ بها أحدٌ من قبلهم؛ إذ كانوا يأتون الذُكران والرجال بشهوة محرّمة دون النساء، ويعلنون ذلك جهاراً دون حياء أو خجل؛ فنهاهم نبيّهم عن ذلك، ودعاهم إلى عبادة الله -تعالى- وحده، ولكنّهم أصروا واستكبروا، وتحدّوا نبيّهم بأن يأتيهم بالعذاب الموعود إن كان صادقاً، فأتاهم الله -سبحانه- من البأس الذي لا يُردّ، وجعلهم عبرة وآية لمن خلفهم من العالمين.[٥]


عذاب قوم لوط عليه السلام

أنزل الله -سبحانه- على قوم لوط -عليه السلام- العذاب الشديد؛ بأنّ أرسل عليهم الملائكة الكرام لترميهم بحجارة من طين، تنزل عليهم كالأمطار الغزيرة، ثم خسف بهم الأرض، فجعل عاليها سافلها؛ قال -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).[٦][٧]


وينبغي التنبيه إلى أنّ بعض أهل العلم قد قالوا بأنّ استحقاق قوم لوط -عليه السلام- العذاب كان لاستحلالهم الفواحش، لا لأجل الشرك؛ إذ لم يرد نهي لوط -عليه السلام- لقومه في صريح الآيات القرآنية عن الشرك، بينما ذهب فريق آخرٌ من أهل العلم إلى أنّ الأصل في دعوة الرسل والأنبياء كانت تقوم على الدعوة لعبادة الله -تعالى-، وتوحيده، وعدم الشرك به؛ استدلالاً بقوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ).[٨][٩]


واستدلالاً بما جاء على لسان لوط -عليه السلام- في الآيات القرآنية؛ من الأمر بالتقوى، والطاعة، والدعوة إلى أصول العقيدة الإسلامية، ثم ربط لهم كلّ ذلك بالنهي عن المنكرات التي كانوا يفعلونها؛ لذا كان العذاب لازما بحقّهم على الشرك والفواحش معاً.[٩]


خيانة امرأة لوط عليه السلام

ذكرت الآيات الكريمة في غير موضع أنّ النجاة من العذاب كانت لنبي الله لوط -عليه السلام-، وللمؤمنين معه من قومه ومن أهله؛ إلا امرأته فقد كانت من الهالكين؛ قال -تعالى-: (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ)،[١٠] كما صرّحت الآية الكريمة في ختام سورة التحريم بخيانة امرأة لوط -عليه السلام- له؛ قال -تعالى-: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).[١١][١٢]


ولكنّ هذه الخيانة لم تكن بمفهومها الدارج في هذه الأيام من الخيانة الزوجيّة؛ إنّما كانت خيانتها خيانةً للدعوة، فقد كانت تدلّ قومها على ضيوف زوجها لوط -عليه السلام-، كما كانت تأتي القوم بأخباره، وكأنّها بذلك تقرّهم على معاصيهم وفواحشهم؛ فكان جزاؤها العذاب مع قومها، وبهذا قال غير واحد من الصحابة الكرام.[١٢]


العبر المستفادة من قصة لوط عليه السلام

يمكن استنتاج العديد من العبر النافعة من هذه قصة لوط -عليه السلام- مع قومه، والتي يمكن تلخيص أبرزها على النحو الآتي:

  • المجاهرة في المعصيّة والإصرار عليها موجبٌ للعذاب الشديد.
  • قد يلحق بالإنسان عموم العذاب لمجرد رضاه بفعل المنكرات والفواحش، ومساعدته لأهل الكفر والباطل على ذلك.
  • من لم ينفعه إيمانه لم ينفعه نسبه؛ كامرأة لوط -عليه السلام- فعلى الرغم من كونها زوج نبيّ، إلا أنّ العذاب لحقها مع القوم الكافرين لعدم إيمانها.

المراجع

  1. سورة هود، آية:74
  2. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 226، جزء 8. بتصرّف.
  3. [أحمد أحمد غلوش]، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 147. بتصرّف.
  4. سورة العنكبوت، آية:28-29
  5. ^ أ ب ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 254-255، جزء 1. بتصرّف.
  6. سورة هود، آية:82-83
  7. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 414-415، جزء 1. بتصرّف.
  8. سورة الأنبياء، آية:25
  9. ^ أ ب أبو بكر محمد زكريا ، الشرك في القديم والحديث، صفحة 272-275، جزء 1. بتصرّف.
  10. سورة الأعراف، آية:83
  11. سورة التحريم، آية:10
  12. ^ أ ب أبو جعفر ابن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 111-112، جزء 23. بتصرّف.