قصة السامري مع سيدنا موسى

فتنة بني إسرائيل

ذكر القرآن الكريم قصة السامري مع سيدنا موسى -عليه السلام-، وبيّن الله -سبحانه- ما كان من فتنة بني إسرائيل بعدما أنقذهم موسى -عليه السلام- من فرعون وجنوده؛ قال -تعالى-: (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)،[١] حيث بدأت قصة السامري بعد أن ذهب نبي الله موسى -عليه السلام- إلى مناجاة الله -تعالى- في جبل الطّور، وقد استخلف عليهم من بعده أخاه هارون -عليه السلام-، وذهب موسى إلى ملاقاة ربه في الميعاد الذي أخبره به -سبحانه-.[٢]


وهنا كان السامري قد فتن بني إسرائيل؛ حيث جمع لهم الحليّ والذهب التي كانت بحوزتهم، ثم أحرقها وصنع لهم فيها إلهاً على هيئة عجل، ثم أخذ القوم يعبدونه، وقيل عبده جمعٌ من القوم مع إقرار الباقين منهم؛ ولمّا وجدهم هارون -عليه السلام- على هذا الحال أخذ ينصحهم ويرشدهم إلى طريق الصواب.[٢]


قال -تعالى- على لسان هارون -عليه السلام-: (... يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)،[٣] فردّ عليه القوم بكل إصرار: (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)،[٤] وقد تفرّق القوم بعدما أخبرهم السامري أنّ هذا العجل هو إلههم وإله موسى -عليه السلام- أيضاً، فجعلوا يعكفون عليه منتظرين وصول نبيّهم.[٢]


وقد تعددت أقوال المفسرين في حقيقة هذا العجل الذي كان له خوار -صوت البقر-؛ فقال جماعة منهم إنّ السامري كان قد أخذ من أثر جبريل -عليه السلام- لمّا جاوز بهم البحر؛ وقد ألقى السامري هذا الأثر داخل العجل بعدما صنعه؛ فصار عجلاً حقيقياً من دم ولحم، وقال بعض المفسرين إنّ السامري جعل في العجل الذي صنعه تجويفاً، كلّما دخلت فيه الرياح أصدر صوتاً كالخوار، وقيل أيضاً إنّ صوت الخوار هذا كان من أعمال التّمويه والسحر، إذ تهيأ للقوم أنّ لهذا العجل صوتاً، وقد ضلّوا بهذا الفتنة ضلالاً بعيداً.[٥]


عودة سيدنا موسى إلى قومه

أعلم الله -سبحانه- نبيّه موسى -عليه السلام- بفتنة قومه، فانطلق إليهم وهو يحمل التوراة التي أوحاها الله -تعالى- لهم؛ فيها المواعظ والحلال والحرام، ولمّا وصل إليهم ورأى ما هم عليه من عبادة العجل؛ غضب غضباً شديداً، وقال لقومه: (... قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ...)،[٦] ثم ألقى الألواح من يديّه وأخذ يجرّ برأس أخيه هارون -عليه السلام- ولحيته؛ يعاتبه على ما كان من شأن قومه، فقال له هارون -عليه السلام-: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي).[٧][٨]


وقال المفسرون إنّ هارون -عليه السلام- كان يخاف أن يأخذ بعض المؤمنين معه، ويترك عَبَدَةَ العجل للسامري، فبقي مع القوم حتى وصول موسى -عليه السلام-.[٩]ثم أقبل موسى -عليه السلام- إلى السامري وسأله عن أمره؛ فأخبره بأنّه تبّصر وتفطنّ لما لم يُبصر له القوم، إذ أخذ أثراً من جبريل -عليه السلام-، وألقاها بالحليّ والإله الذي صنع، فصار عجلاً جسداً، وهذا ما فعله إنّما كان اتباعاً للهوى ووساوس النفس؛ وكأنّه بهذا الاعتراف يبرر لنفسه ما قام به من فتنة القوم.[١٠]


نهاية السامري

ألحق الله -سبحانه- بالسامري العقوبة التي يستحقها؛ حيث نفاه موسى -عليه السلام- عن القوم، فلا يستطيع أنّ يمسّ أحداً من الناس، أو أن يقترب أحدٌ منه أيضاً؛ قال -تعالى-: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)،[١١] ثم توّعده موسى -عليه السلام- بعذاب الآخرة، ثم أمر بالعجل فَحُكّ بعضه ببعض، ثم أُحرق حتى صار رماداً تذهب به الرياح.[١٢]


من هو السامري؟

تعددت الأقوال في حقيقة واسم السامري، فمن المؤرخين من قال إنّه كان من بني إسرائيل من أهل كرمان، وقد اتّبع موسى -عليه السلام- مع بني إسرائيل، واسمه موسى بن ظفر؛ وهذا ما نقله الطبري،[١٣] وقيل إنّه كان من قوم يعبدون البقر، وكانوا جيراناً لبني إسرائيل، ولم يكن من بني إسرائيل، اتّبع موسى -عليه السلام- وكان من الناجين؛ وبهذا قال ابن كثير.[١٤]

المراجع

  1. سورة طه، آية:85
  2. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 95-96، جزء 9.
  3. سورة طه، آية:90
  4. سورة طه، آية:91
  5. أبو المظفر السمعاني، تفسير السمعاني، صفحة 216، جزء 2. بتصرّف.
  6. سورة الأعراف، آية:150
  7. سورة طه، آية:94
  8. ابن الأثير، أبو الحسن، الكامل في التاريخ، صفحة 166، جزء 1. بتصرّف.
  9. أبو جعفر ابن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 146، جزء 16.
  10. أبو البركات النسفي، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 381، جزء 2.
  11. سورة طه، آية:97
  12. إبراهيم الإبياري، الموسوعة القرآنية، صفحة 305، جزء 10. بتصرّف.
  13. الماوردي، تفسير الماوردي النكت والعيون، صفحة 422، جزء 3. بتصرّف.
  14. ابن كثير ، تفسير ابن كثير، صفحة 291، جزء 5. بتصرّف.