هارون عليه السلام

هو نبي الله هارون -عليه السلام- ابن عمران، يعود نسبه إلى لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل -صلوات الله عليهم-، وهو أخ النبي موسى -عليه السلام- الذي شدّ الله به أزره، وأشركه في دعوته؛ قال -تعالى- على لسان موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا).[١][٢]


ومن الجدير بالذكر أنّ هارون هو أكبر من النبي موسى -عليه السلام-؛ فقد ولد هارون في العام الذي عفى فيه فرعون عن المواليد الذكور، أمّا موسى -عليه السلام- فكانت ولادته في العام الذي كان فيه القتل؛ لكنّ الله -سبحانه- نجاه من ذلك بما حصل من الرمي في التابوت، والتقاط آل فرعون له -عليه السلام-.[٣]


وينبغي التنبيه إلى مسألة مهمة يقع فيها الَّلبْس عند بعض الناس؛ ألا وهي مسألة القرابة بين هارون ومريم ابنة عمران -عليهما السلام-؛ حيث قال سبحانه-: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)،[٤] فيظنّ بعض من يقرأها أنّ مريم -عليها السلام- هي أخت هارون وموسى -عليه السلام-، وليس الأمر كذلك؛ وذلك لأنّ المدة الزمنية بين نبوة عيسى بن مريم وموسى -عليهما السلام- طويلة، كما أنّ بني إسرائيل كانت تتسمّى بأسماء الصالحين من الماضين، فليس المقصود في هذه الآية الكريمة هارون أخ موسى -عليهما السلام- على رأي أهل العلم.[٥]


قصة هارون مع موسى عليهما السلام

لمّا بعث الله نبيّه موسى -عليه السلام-، وكلّمه في الوادي المقدس، وأمره بأن يذهب إلى فرعون، ويدعوه للهداية والتوحيد، طلب موسى -عليه السلام- من ربّه أن يرسل معه أخاه هارون ليشتدّ به عضده، ويقوى على أمره -كما أشرنا سابقاً-؛ قال -تعالى-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ)،[٦] فمنّ الله -سبحانه- على نبيّه موسى، وجعل هارون نبيّاً معه؛ قال -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا).[٧][٨]


وبعد أن آمنت بنو إسرائيل بموسى -عليه السلام-، وهلك فرعون وجنوده في البحر؛ ذهب موسى لملاقاة ربّه -سبحانه-، واستخلف على القوم أخاه هارون من بعده، فظهرت بينهم فتنة السامريّ والعجل الذي معه؛ فافتتنت به بنو إسرائيل، وعبدت العجل وأشركت بالله -سبحانه-، فوقف لهم هارون -عليه السلام- يعظهم وينهاهم عن فعلهم، ولكنّهم استضعفوه وهدّدوه بالقتل، فلمّا رجع موسى من لقاء ربّه، ووجد ما عليه قومه من الشرك؛ غضب وأخذ يلوم أخاه هارون ويعاتبه.[٩]


وقد صوّر القرآن الكريم هذا المشهد في قوله -تعالى-: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)؛[١٠]فاستغفر موسى -عليه السلام- لنفسه ولأخيه، وطلب من الله -سبحانه- أن يرحمهما، فأخوه هارون "لم يقصر في الدعوة، ولا في إنكار المنكر، ولكنهم لم يستجيبوا له".[٩]


نبوة هارون عليه السلام

أكدت العديد من الآيات القرآنية على نبوة هارون -عليه السلام-، وقد أشرنا إلى بعضها فيما سبق، ولقد كانت هذه النّبوة هبة من الله -سبحانه- لموسى -عليه السلام-، قال -تعالى-: (إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)،[١١] مع التأكيد أنّ هذه النبوة قد كانت في نفس الوقت الذي كانت فيه نبوة موسى -عليه السلام- إلى بني إسرائيل.[١٢]

المراجع

  1. سورة طه، آية:29- 34
  2. ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق، صفحة 23، جزء 5. بتصرّف.
  3. صالح المغامسي، تأملات قرآنية، صفحة 13، جزء 7.
  4. سورة مريم، آية:28
  5. [الدهلوي، شاه ولي الله]، الفوز الكبير في أصول التفسير، صفحة 102. بتصرّف.
  6. سورة الشعراء، آية:12-13
  7. سورة مريم، آية:53
  8. أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة (الطبعة 128)، صفحة 5. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ياسر برهامي، دروس للشيخ ياسر برهامي، صفحة 9، جزء 66. بتصرّف.
  10. سورة الأعراف، آية:150
  11. سورة النساء، آية:163
  12. محمد مطني، سورة القصص دراسة تحليلية، صفحة 423، جزء 1. بتصرّف.