عبادة قوم نوح للأوثان والأصنام

ذكر بعض المصنفين أنّ قوم سيدنا نوح -عليه السلام- كانوا يعبدون التماثيل والأصنام؛ بعد أن طال بهم الزمان من بعد آدم -عليه السلام-، حيث اشتهر عندهم رجال صالحون، وكان لهم أتباع مؤمنون يقتدون بهم؛ فلمّا مات هؤلاء الرجال الصالحون، قام الأولياء الذين اقتدوا بهم بجعل لهم تصاوير وتماثيل.[١]


لتكون تذكرةً لهم على العبادة والاستهمام بها، فلمّا جاء من بَعْدَهم وسوس إليهم الشيطان أنّ هذه التماثيل كانت تُعبد من قبل لاستجلاب المطر، والنفع؛ فعبدها القوم، ومن هنا جاءت عبادة الأصنام، حتى وصلت إلى العرب.[١]


وقد ثبت ذلك في صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، حيث قال: (صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في العَرَبِ بَعْدُ؛ أمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بالجَوْفِ عِنْدَ سَبَأٍ، وأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ، أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ: أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا، وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ).[٢][١]


النار

رُوي في بعض الكتب أنّ ابن آدم -عليه السلام- الذي قتل أخاه؛ زيّن له الشيطان عمله، ووسوس إليه أنّ عمل أخيه قد تقبله الله -تعالى- لأنّه كان يعبد النار، ويتقرب إليها؛ فقيل إنّ هذا الابن قد بنى بيتاً للنار وعبدها، فتبعه القوم من بعده، وقيل غير ذلك من أنواع العبادات والضلالات؛ التي يبغضها الله -سبحانه-، ولا يرضاها من عباده.[٣]


وقد ذهب جمعٌ من المؤلفين إلى القول بأنّ الأصح والمُرجحّ هو في عبادة قوم نوح -عليه السلام-، هو اتجاههم إلى الأوثان والتصاوير التي ذكرنا، وأنّ باقي المرويات هي مجرد تخمينات لأهل السير والتراجم، لم تثبت بدليل قطعيّ؛ على عكس الرأي الأول، الذي جاء فيه قوله -سبحانه-: (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا* وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا* وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا).[٤][٣]


نوح عليه السلام ومحاربته للشرك

تبيّن مما سبق أقدميّة التوحيد في البشريّة والأمم السابقة على الشرك والكفر؛ فقد قال -سبحانه- في وصف ذلك: (كانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ...)؛[٥] أيّ كانوا على التوحيد والإيمان أمّة واحدة، فلمّا ظهر الشرك، وعُبدت الأصنام والأوثان، ونحوها، اختلف الناس، وتشتت حالهم؛ فبعث الله -سبحانه- الأنبياء والمرسلين، للتبشير والإنذار.[٦]


وقد بعث الله -سبحانه- سيدنا نوح -عليه السلام- إلى قومه لمحاربة ما تفشّى فيهم من الضلال، والكفر، والمعاصي؛ حتى سلك في ذلك منهجاً فريداً؛ يُجدر بنا الإشارة له في هذا المقام، من باب التأمل والاعتبار:[٧]

  • بدأ سيدنا نوح -عليه السلام- بدعوة قومه بلين الكلمة، وعدم ردّ الإساءات والاتهامات بمثلها؛ وقد اتضحّ ذلك في عدّة آيات قرآنية.
  • التبرؤ من ادعاءاتهم، وشركهم، والذبّ عن المؤمنين الذين اتبعوه، وآمنوا معه.
  • تنويعه في أساليب دعوته -عليه السلام-؛ فقد دعاهم فرادى وجماعات، سراً وعلانية، في الليل والنهار، فلم يلتزم منهجاً واحداً، أو أسلوباً واحداً.
  • ترغيبه -عليه السلام- للقوم بالإيمان والاتباع، من خلال ذكر الثواب المترتب على ذلك؛ من تكثير المال والأولاد، وغفران الذنوب والمعاصي، وتأخير الآجال وإطالة الأعمار.
  • الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، وإقامة الحجّة عليهم.
  • التكرار والتذكير الدائم بطريق الحقّ، وضرورة اتباعه، طوال مدّة بعثته -عليه السلام- فيهم.
  • الاستدلال بمظاهر قدرة الله -تعالى- في الكون على وجوده، وعلى قوته -سبحانه-.


ولمّا بذل سيدنا نوح -عليه السلام- غاية جهده في دعوة قومه، ولم يؤمن منهم إلا القليل بعد طول الزمان، دعا الله -سبحانه- أن لا يذر على الأرض من كافريهم ومشركيهم أحداً؛ فاستجاب الله -سبحانه- دعاءه، وأغرقهم بالطوفان؛ فأُهلكوا جميعاً.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 60. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عطاء بن أبي رباح، الصفحة أو الرقم:4920 ، صحيح.
  3. ^ أ ب أبو بكر محمد زكريا، الشرك في القديم والحديث، صفحة 239-242، جزء 1. بتصرّف.
  4. سورة نوح، آية:21-23
  5. سورة البقرة، آية:213
  6. ابن باز، بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعا وبعث به خاتمهم محمدا عليه السلام، صفحة 81. بتصرّف.
  7. ^ أ ب حمود الرحيلي، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام، صفحة 172-176، جزء 1. بتصرّف.