قصة سيدنا سليمان مع الهدهد

كلام سيدنا سليمان مع الطير

أنعم الله -سبحانه- على النبي سليمان -عليه السلام- بنعم كثيرة؛ ذكرت في القرآن الكريم في عدّة مواضع، ومن هذه النعم تعليمه منطق الطير؛ حيث كان -عليه السلام- يفهم لغة الطيور، ودليل ذلك ما جاء في سورة النمل على لسان سليمان -عليه السلام-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)،[١][٢] بالإضافة إلى قصّته الشهيرة مع طير الهدهد، والتي سنبيّنها فيما يأتي.


تفقد سيدنا سليمان للطير

تبدأ قصة سيدنا سليمان مع الهدهد عندما تفقّد الطير، ووجد أنّ الهدهد غائب عنها؛ فقال متسائلاً: (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)،[٣] وقد كان هذا الهدهد صاحب حكمة وإدراك وإيمان، يتقصّى الأخبار ويأتي بها إلى مملكة سليمان -عليه السلام-، فتوعدّ نبي الله سليمان الهدهد بالمساءلة، مع التهديد بالذبح إنْ لم يأته بعذر مقنع يُبرر غيابه؛ قال -تعالى- على لسان سليمان: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ).[٤][٥]


مجيء الهدهد بأخبار سبأ

ثم يصوّر لنا القرآن الكريم قصر المدة التي غابها الهدهد، ومدى حرصه على تبرير غيابه وعدم استئذانه في التأخر عن سليمان -عليه السلام-؛ حيث أخبر سيدنا سليمان بأنّه أحاط بأخبار لم يعلم بها من قبل، فقد وجد قوماً تحكمهم امرأة أوتيت من كلّ النّعم، لكنّها -بالرغم من ذلك كلّه- وقومها يسجدون للشمس، ويشركون بالله -سبحانه-.[٦]


قال -تعالى- في هذا: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ* وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)،[٧] وبعدها يبدأ الهدهد الحكيم بإنكار ما تفعله هذه الملكة مع قومها، ويتعجب من إعراضهم عن عبادة الله وحده؛ مستدلاً بمظاهر قدرته على الإيجاد والخلق، فيردّ عليه النبي سليمان -عليه السلام- بأنّ التثبت من كلامه هذا سيكون الحكم والفصل في شأن معاقبته.[٨]


وبعدها يأمر سليمان -عليه السلام- الهدهد بأن يرسل كتاباً إلى مملكة سبأ، ثم ينظر ويترقّب فعل القوم من بعيد؛ وقد كان الكتاب يدعو ملكة سبأ وقومها للمجيء إلى مملكة سليمان -عليه السلام-؛ وذلك لدعوتهم للإيمان، وترك الضلال الذي هم عليه، وفعلاً كان الهدهد صادقاً في حجّته وتبريره، فقد قدمت هذه الملكة مع قومها إلى النبي سليمان -عليه السلام-، بعد المشورة والتباحث مع الملأ من حولها.[٦]


ما يستفاد من قصة سيدنا سليمان مع الهدهد

إن المتأمل في هذه القصة القرآنية، يجد فيها الكثير من العبر واللطائف المتنوعة؛ ولعلّ من أبرزها ما يأتي:

  • التثبّت وعدم العجلة في الحكم على الأشخاص وعلى الأمور.
  • الحزم والشّدة أمران ضروريان في الحكم والولاية حيثما يكون ذلك لازماً.
  • إعذار الآخرين وإعطاؤهم الفرصة لتبرير مواقفهم.[٩]
  • العلم بأحوال الرّعية وتفقّدهم.
  • الحكمة وصدق الإيمان.

المراجع

  1. سورة النمل، آية:16
  2. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 309، جزء 19. بتصرّف.
  3. سورة النمل، آية:20
  4. سورة النمل، آية:21
  5. جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية خصائص السور، صفحة 172، جزء 6. بتصرّف.
  6. ^ أ ب إبراهيم القطان، تيسير التفسير للقطان، صفحة 37-38، جزء 3. بتصرّف.
  7. سورة النمل، آية:22-24
  8. وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 1871-1873، جزء 2.
  9. محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، صفحة 85، جزء 2. بتصرّف.