كانت بلقيس ملكة مملكة سبأ في بلاد اليمن، وقد ورد ذكرها في قصّة نبي الله سليمان -عليه السّلام- الواردة في سورة النمل، وكانت ذات حكمةٍ ورأيٍ سديدٍ، وأوتيت مثل ما يؤتى الملوك ممّا يحتاجونه من العدّة والعتاد، وجاء وصفها في قول الله تعالى على لسان هدهد سليمان عليه السلام: (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).[١][٢][٣]
هدية بلقيس لسليمان عليه السّلام
ذكر المفسّرون أنّ هدية بلقيس التي أرسلت بها لسليمان -عليه السّلام- كانت هديّةً عظيمةً؛ تشتمل على ذهبٍ وجواهر ثمينةٍ، ومنهم من قال إنّ الهدية آنيةٌ من ذهب،[٢][٣] جاء في قول الله تعالى على لسان بلقيس مخاطبةً الملأ من قومها: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).[٤]
سبب إرسال بلقيس للهدية
كان السبب الذي دفع بلقيس لإرسال هديةٍ إلى سليمان عليه السلام؛ أنّه حين رجع الهدهد إلى سليمان، وأخبره بما شاهد عليه بلقيس وقومها من عبادةٍ للشمس كما جاء في قوله تعالى: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)،[٥] فكتب سليمان -عليه السلام- كتابًا أرسله لها ولقومها مفاده ما جاء في قوله تعالى: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)،[٦] فلمّا قرأت بلقيس الكتاب وأطلعت عليه الملأ واستشارتهم، أرجعوا الأمر والقرار إليها؛ كما جاء في قوله تعالى: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)؛[٧] فارتأت بلقيس أن ترسل هديّةً لسليمان عليه السلام؛ فإن كان ملكًا، فسيقبل الهديّة ويصلح ما بينه وبينهم، وإن كان نبيًّا فسيردّها.[٨]
موقف بلقيس من دعوة سليمان
لمّا ردّ سليمان -عليه السلام- الهدية ولم يقبلها؛ أدركت بلقيس أنّه نبيّ مرسل، فأشارت على قومها بالذهاب برفقتها إلى سليمان، وقد كان عرشها قد صار بين يديّ سليمان بعد أن سأل جنوده أن يأتوه به كما جاء في قوله تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)،[٩] فأحضروه له قبل أن يرمش جفنه، وحمد سليمان -عليه السلام- الله تعالى حين رأى العرش أمامه ونسب الفضل لله تعالى، ثمّ طلب من جنده أن يغيّروا في هيئته ومظهره؛ ليرى إن كانت بلقيس ستعرف عرشها وتميّزه فتسلم مع سليمان وتهتدي أم لا، كما جاء في قوله تعالى: (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ)،[١٠] فلمّا حضرت بلقيس سألها عنه إن كان هذا عرشها أم لا، فأجابت أنّه هو، وأجابت دعوة سليمان -عليه السلام- فأسلمت لله -سبحانه وتعالى- كما جاء في قوله تعالى: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).[١١][٨]
المراجع
- ↑ سورة النمل، آية:22-23
- ^ أ ب ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 21-23. بتصرّف.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 290-294. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية:35
- ↑ سورة النمل، آية:24
- ↑ سورة النمل، آية:30-31
- ↑ سورة النمل، آية:33
- ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 433-436. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية:38
- ↑ سورة النمل، آية:41
- ↑ سورة النمل، آية:44