أيّد الله -عزّ وجلّ- نبيه عيسى -عليه السلام- بعددٍ من المعجزات؛ ليقيم الحجة على قومه، وتكون دليلًا على صدقه، قال الله تعالى في معجزات عيسى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ* وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾،[١] وفي هذه المعجزات خرقٌ للعادة،[٢] وفيما يلي تفصيلٌ عن إحدى هذه المعجزات، وهي معجزة خلق الطير من الطين.


طائر عيسى عليه السلام

كيفيّة خلق عيسى عليه السلام للطير

قال تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ)،[٣] ففي هذه الآية يخاطب عيسى -عليه السلام- بني إسرائيل بأنّه جاءهم بآيةٍ وعلامةٍ من ربّهم دالّةٍ على صدقه ونبوّته؛ بأنّه يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه فيصبح طيرًا يطير عيانًا أمام الناس بإذن الله -عزّ وجلّ- وإرادته، والطير جمع طائرٍ، وجاء في قول الله تعالى من سورة المائدة مُذكّرًا عيسى -عليه السلام بما منّ عليه من النعم: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي[٤] فكان عيسى -عليه السلام- يأخذ من الطين ويُشكّله على هيئة وشكل طيرٍ، ثمّ ينفخ فيه فيصبح طيرًا حقيقيًّا بإذن الله؛ وإن كان الأمر قد جرى على يد عيسى -عليه السلام- وهو الذي نفخ في الطين فصار طيرًا، إلّا أنّ الخَلق لله تعالى ولا يكون إلّا بأمره.[٥][٦]


نوع طائر عيسى عليه السلام

ورد في الأثر أن الطير الذي شكّله عيسى -عليه السلام- ونفخ فيه هو الخفاش، قال الشوكاني: "قيل إنه لم يخلق غير الخفاش لما فيه من عجائب الصنعة، فإن له ثديا وأسنانا وأذنا ويحيض ويطهر، وقيل: إنهم طلبوا خلق الخفاش لما فيه من العجائب المذكورة، ولكونه يطير بغير ريشٍ، ويلد كما يلد سائر الحيوانات مع كونه من الطير، ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور، ولا يبصر في ضوء النهار، ولا في ظلمة الليل، وإنّما يرى في ساعتين: بعد غروب الشمس ساعة، وبعد طلوع الفجر ساعة، وهو يضحك كما يضحك الإنسان، وقيل: إنّ سؤالهم له كان على وجه التعنت، قيل: كان يطير ما دام الناس ينظرونه، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا، ليتميز فعل الله من فعل غيره"،[٧] والقول بأنّ الطائر هو الخفّاش مأثورٌ عن بعض السلف كابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره، قال ابن عباس: "أخذ طينا، وصنع منه خفاشا، ونفخ فيه، فاذا هو يطير، ويقال: لم يصنع غير الخفاش، ويقال: إن بني إسرائيل نعتوه بذلك لأن الخفاش عجيبة الخلق. وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا: الخفاش".[٨]


المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:49-48
  2. محمد أبو زهرة، كتاب المعجزة الكبرى القرآن، صفحة 294. بتصرّف.
  3. سورة آل عمران، آية:49
  4. سورة المائدة، آية:110
  5. محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، صفحة 284.
  6. الشوكاني، فتح القدير، صفحة 392.
  7. ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، صفحة 284.