جاء القرآن الكريم على ذكر نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، ومواقف كثيرةٍ من دعوته، وقد لقي في دعوته مشاقّ كثيرةً؛ إلّا أنّه صبر على ذلك، وهاجر في سبيل الدعوة إلى مواطن عدَّةٍ؛ فكان من أُولي العزم من الرسل، وهو خليل الله -تعالى-، وأبو الأنبياء -عليهم السلام-، وفيما يأتي حديثٌ عن بعثته التي ابتدأت من موطنه ومكان مولده: مدينة بابل في العراق، وتحديدًا في منطقة كوثى،[١] وبيانٌ لمحطّات في دعوته -عليه السلام-.


بعثة النبيّ إبراهيم وحركته في الدعوة

أرسل الله -تعالى- نبيّه إبراهيم -عليه السلام- لدعوة إلى الإيمان به وتوحيده، وقد بُعث لدعوة أبيه وقومه، وملكٍ يحكم قومه في مدينة بابل العراقية، ويُدعى النمرود، وكان أبوه وقومه عبدةً للأصنام والكواكب من دون الله -تعالى-، وقد دعاهم جميعًا إلى التوحيد، واستعمل في دعوتهم ومخاطبتهم الحجج والبراهين، إلّا أنّهم لم يستجيبوا له، بل أنكروا عليه دعوته، ورفضوا أن يتركوا ما كان يعبده آباؤهم من الأصنام والأوثان،[٢] كما تنقّل إبراهيم -عليه السلام- بعد بعثته، من العراق إلى الشام، ومصر، وإلى مكّة المكرّمة حيث ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل -عليه السلام-، وعاد إلى نواحي بلاد الشام مرَّةً أُخرى قريبًا من بيت المقدس.[١]


محطاتٌ من دعوة إبراهيم عليه السلام

دعوة إبراهيم لأبيه

بدأ إبراهيم -عليه السلام- أوّل ما بدأ بدعوة أبيه آزر الذي كان من عبدة الأصنام، وصانعًا لها؛ فدعاه برفقٍ ولينٍ، وحاول أن يبيّن له بالحجة والبرهان بطلان عبادة الأصنام، وكيف أنّها لا تضر ولا تنفع، كما جاء في قول الله -تعالى- على لسان إبراهيم -عليه السلام-: (إِذ قالَ لِأَبيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعبُدُ ما لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ وَلا يُغني عَنكَ شَيئًا)،[٣] وأبدى إبراهيم في دعوته وخطابه لأبيه محبَّته له وخوفه عليه من مصيره إن استمر على عبادة الأصنام، كما جاء في قول الله -تعالى-: (يا أَبَتِ إِنّي أَخافُ أَن يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحمـنِ فَتَكونَ لِلشَّيطانِ وَلِيًّا)،[٤] إلّا أنّ والد إبراهيم لم يستجب له، وهدّده بأن يرجمه إن بقي يدعو إلى ترك عبادة الأصنام، وبقي والد إبراهيم مصرًّا على الكفر.[٥]


دعوة إبراهيم لقومه

دعا إبراهيم -عليه السلام- قومه إلى الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، وبذل في سبيل دعوتهم مختلف الأساليب من الترغيب والترهيب، ومحاولة إقناعهم بالحجّة والبرهان، ولمّا رأى عدم استجابتهم، قرر أن يقوم بمكيدةٍ تبيّن لهم سذاجة وضعف ما يعبدون من دون الله، فقام بتحطيم أصنامهم عند غيابهم عن بلدتهم، وعلّق الفأس الذي حطّم به الأصنام على الصنم الأكبر، فلمّا رجع قومه ورأوا أصنامهم محطَّمةً، شكّوا بأن يكون الفاعل إبراهيم -عليه السلام-؛ لعلمهم أنّه كان يذكر أصنامهم بسوءٍ، فلمّا أحضروه وسألوه، أخبرهم إبراهيم مستخفًّا بهم أنّ الذي حطّم أصنامهم هو الصنم الكبير، فأدرك القوم سفاهة ما يعبدون؛ لأنّ هذه الأصنام لا تنطق، فأقام إبراهيم الحجّة عليهم بأنّهم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع، لكنّهم رغم ذلك أصروا على موقفهم، وقرّروا حرق إبراهيم -عليه السلام-، إلّا أنّ الله -تعالى- أنجاه من النار، وجعلها بردًا وسلامًا عليه.[٦]


موقف إبراهيم مع النمرود

بُعث إبراهيم -عليه السلام- في عهد ملكٍ طاغيةٍ يُدعى النمرود وقيل النمروذ، وكان متكبِّرًا، وقد ناظر إبراهيم -عليه السلام-، حيث ادعى النمرود أنّه يجاري الله -تعالى- وينازعه في ألوهيَّته وربوبيَّته، فناظره إبراهيم وتحدّاه بأنّ الله -تعالى- يُحيي ويُميت، فأجاب النمرود أنّه يفعل ذلك، وفأخبره إبراهيم -عليه السلام- بأنّ الله -تعالى- يأتي بالشمس وتشرق من جهة الشرق، وطلب منه أن يأتي بها من جهة المغرب؛ فبُهت النمرود وسكت؛ لعجزه وضعفه.[٧]


موقف إبراهيم مع عبدة الكواكب

بعد أن نجّا الله -تعالى- إبراهيم من النار، أمره أن يترك بابل ويُهاجر إلى بلاد الشام؛ فهاجر إبراهيم -عليه السلام- برفقة زوجته وابن أخيه لوط -عليه السلام- إلى بلاد الشام، واستقرّ بأرضٍ تُدعى حرّان، وهي أرض الكنعانيين، وكانوا عبدةً للكواكب، فدعاهم إبراهيم إلى الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، وأراد إبراهيم -عليه السلام- أن يثبت لهؤلاء القوم بالدليل والحجَّة بطلان ما يعبدونه من الكواكب؛ لكونها تغيب وتختفي، أمّا الإله فلا يغيب ولا يأفل، وأخذ يرقب الكوكب والقمر والشمس، وكلّها كانت تنقص وتغيب، إلّا أنّهم لم يستجيبوا لدعوته، فتركهم إبراهيم -عليه السلام- بعد أن أقام عليهم الحجَّة.[٦]


المراجع

  1. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 107-118. بتصرّف.
  2. عبد الإله بن عبد الله السعيدي، قصة الحياة، صفحة 34-37. بتصرّف.
  3. سورة مريم، آية:42
  4. سورة مريم، آية:45
  5. "فقه التدرج في دعوة إبراهيم عليه السلام"، الألوكة، 12/3/2014، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022. بتصرّف.
  6. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 126-137. بتصرّف.
  7. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 187-190. بتصرّف.