من أين أتت عصا سيدنا موسى؟
ورد في بعض كتب التفسير عدّة أقوال بخصوص مصدر عصا موسى -عليه السلام-؛ إلّا أنّ هذه الأقوال جميعها لم يثبت منها شيئاً على وجه القطع، ومن جملة ما قيل إنّ عصا سيدنا موسى -عليه السلام- مصدرها من الملائكة؛ إذ رُوي أنّ الملائكة أعطوا موسى -عليه السلام- هذه العصا عندما دخل أرض مدين؛ فكانت على حدّ قولهم تُضيء بالليل، وتُخرج له النبات من الأرض، إضافةً إلى استخدامها في رعي الأغنام.[١]
وقيل إنّما كان مصدرها من أرض مدين؛ لمّا استأجره صالح مدين لرعاية الأغنام ثمان سنوات، مقابل زواجه من إحدى بناته،[٢] وقيل كانت هذه العصا من شجر الجنّة؛[٣] وقيل غير ذلك الكثير.
وهذه أقوال لم يثبت شيء منها في الأدلة الثابتة والصريحة؛ فالله -تعالى- لم يُبيّن طبيعة هذه العصا؛ ومن أيّ شجرة تكون، ومن أيّ مكان أخذها موسى -عليه السلام-، كما لم يرد في نصوص السنة النبويّة ما يدلّ على ذلك؛ إنّما جاء ذكرها في سياق الحديث عن مآرب سيدنا موسى -عليه السلام- في هذه العصا، وفي سياق الحديث عن جعلها معجزةً وآيةً تدل على صدق نبوته -عليه السلام- أمام فرعون وملأه، حتى إنّ بعض المفسرين وصفوا هذه العصا بأنّها مجرد خشبة.[٤]
غاية القصص القرآني
ويُستحسن التذكير في هذا المقام؛ أنّ مثل هذه التفاصيل التي أعرضتْ عنها النصوص الثابتة، من كتاب الله -عز وجل-، وسنة نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يَضر الجهل بها؛ ولا يترتب على معرفتها كبير نفع أو فائدة.
إذ إنّ القصص القرآني يُركّز في إيراد بعض تفصيلاته على الغايات والمقاصد؛ التي تخدم الدعوة، وتقرر التوحيد، وتنفي الشكوك، ونحوها من الأمور الهامّة، أمّا ما كان خارج هذا الإطار، فإنّ القرآن الكريم يُعرض عن ذكره وبيانه، والأولى بالمسلم أنْ يُعرض عمّا أعرض الله -تعالى- عن بيانه.
منافع عصا موسى عليه السلام
جاء ذكر عصا موسى -عليه السلام- في كتاب الله -عز وجل-، في معرض الحديث عن مآرب النبي موسى -عليه السلام- من هذه العصا -كما أشرنا آنفاً-؛ حيث قال -تعالى- في ذلك: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ)؛[٥] وقد بيّن أهل العلم أنّ سيدنا موسى -عليه السلام- كان يستخدم عصاه في الأمور الآتية:[٦]
- الاعتماد، والاتكاء عليها عند السير والوقوف على القطيع.
- خبط ورق الشجر؛ لينزل على الأرض وتأكله الأغنام.
- هش الغنم؛ أيّ زجره.
- حمل الزاد والمتاع.
- قتل السباع، والهوام؛ كما ذُكر غيرها من المآرب التي لا دليل عليها؛ مثل: أنّ العصا كانت تحادث موسى -عليه السلام-، وتطول لتدخل في البئر، وتسقيه من الماء، وتثمر له من الثمر ما يشتهيه، وغير ذلك مما لم يثبت.
وقد أشار أهل العلم إلى أنّ استخبار المولى -جلّ وعلا- موسى -عليه السلام- عمّا في يده، وهو أعلم بذلك -جلّ جلاله-، إنّما ليبيّن -سبحانه- عظيم قدرته، ونفاذ أمره، وسلطانه في أنْ يُحوّل خشبة مجردة إلى حيّة تسعى؛ فكان في ذلك تذكيراً لموسى -عليه السلام- بأصل هذه العصا، وما كانت عليه قبل أن تصير معجزة عظيمة؛[٤] وفيه تقرير وتثبيت لموسى -عليه السلام- قبل أن يرى ما ستؤول إليه العصا.[٧]
معجزة عصا موسى عليه السلام
أيّد الله -سبحانه- النبي موسى -عليه السلام- بالعديد من المعجزات؛ لتكون خير دليل على نبوته، وصدق دعوته؛ وقد ذكر المولى -تعالى- هذه المعجزات البيّنة بأنّها تسع آيات؛ قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ...).[٨][٩]
وقد كانت أولى هذه المعجزات وأعظمها معجزة العصا؛ التي تحولت إلى حيّة تسعى؛ والتي أيّده الله -تعالى- بها في بداية وحيه؛ عندما كلّمه -جلّ شأنه- في الوادي المقدّس؛ قال -تعالى-: (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ* قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى).[١٠][١١]
وكانت هذه المعجزة آيةً من جنس ما اشتهر به بنو إسرائيل؛ الذين اشتهروا بالسحر والشعوذة؛ إلا أنّها كانت حقيقة، لا سحراً خُيّل للناس أنّها تسعى وتتحرك، إذ انتقلت هذه العصا بقدرة الله -تعالى- من كونها فرعاً من شجرة، إلى مرحلة أعلى وأكبر؛ بأن صارت حيّة تلقف كل ما حولها من الحيّات الأخرى.[١٢]
المراجع
- ↑ ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم، صفحة 2419، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ الجلال السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، صفحة 408، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ أبو المظفر السمعاني، تفسير السمعاني، صفحة 326، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو جعفر ابن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 292، جزء 18. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:17-18
- ↑ أبو البركات النسفي، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 360، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو المظفر السمعاني، تفسير السمعاني، صفحة 325، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:101
- ↑ محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، صفحة 745، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:19-21
- ↑ أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 282. بتصرّف.
- ↑ الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 6135، جزء 10. بتصرّف.