استعمال موسى عليه السلام للعصا

كان موسى عليه السلام يستعين بعصاه في العديد من الأعمال اليومية، فعندما اصطفى الله -تعالى- موسى -عليه السلام- وأوحى إليه سأله سؤالاً تقريريَّاً: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)،[١] وعلى الرّغم أنّه كان يكفي أنْ يجيب موسى -عليه السلام- أنّها عصا؛ إلا أنّه تعدّى بالإجابة إلى بيان مظاهر استخدامه لها؛ فقال موسى -عليه السلام-: (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)،[٢] وفي ذلك إشارة على شدّة اهتمام موسى بعصاه.


ومعنى أتوكّأ عليها؛ أي: أعتمد وأستند عليها عند التعب والمشي أحياناً، وكان -عليه السلام- يهشّ بها على غنمه؛ أي يضرب بها أغصان الشجر حتى يسقط ورقها وترعاه غنمه، ثمّ قال -عليه السلام-: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)؛ أي يقضي بها حوائج أخرى عديدة، فربّما كان يحارب بها السباع أيضاً، ويُضيء بها شعلةً في الليل، ونحو ذلك من الحاجات الأخرى،[٣] وموسى -عليه السّلام- حتى تلك اللّحظة لا يعلمُ بتدبير الله له، ولا يعرف أنّ هذه العصا سيكون لها شأنٌ عظيم.


تأييد الله لموسى وتحوّل العصا إلى حية

بعد أن أخبر موسى -عليه السلام- ربّه عن أسباب احتياجه للعصا أمره الله -سبحانه- أن يُلقيها ليُريَه مهمّاتها العظيمة عنده، فقال: (وَأَلْقِ عَصَاكَ)،[٤] فلمّا ألقاها موسى -عليه السلام- صارت (تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ)،[٤] أي تحوّلت إلى حيةٍ كبيرةٍ تتحرّك وتسعى بسرعة، فانتقلت من جنسها النباتي إلى طبيعةٍ أخرى حيوانية، فخاف موسى -عليه السلام-، لكنّ الله -تعالى- طمأنه بقوله: (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ).[٥][٦]


إقامة الحجّة على فرعون بمعجزة العصا

أيّد الله -تعالى- نبيّه موسى -عليه السلام- بالعديد من المعجزات الدّالة على صدق نبوّته ورسالته حتى يُقيم بها الحجّة على قومه، وأرسله لدعوة فرعون وقومه من بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده وطاعته، وكان من أعظم المعجزات التي أظهرها موسى -عليه السلام- لهم معجزة العصا، ولكنّ فرعون اتّهم موسى -عليه السلام- بالسِّحر، وتحدّاه بالصمود أمام السحرة.


ومن المُلفتِ أنّ الله -سبحانه- اختار لموسى -عليه السلام- معجزةً تتناسب مع ما كان منتشراً بين النّاس في زمن فرعون؛ حيث كان للسّحرة في ذلك الوقت صولات وجولات؛ فكانت معجزة انقلاب العصا إلى ثعبان أبلغ في الحجّة وأقوى في التّأييد، وهذا ما كان بالفعل -ولله الحمد-.


وكان ذلك في اليوم الموعود بينهم، حيث ظهرت معجزة العصا عياناً أمام جميع النّاس والسحرة، وابتلعت جميع عِصيِّ السّحرة التي هُيِّئ للناس أنها تتحرك، قال -تعالى- واصفاً هذا المشهد العظيم: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى* قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى* قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى* وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى).[٧][٨]


ولمّا رأى السحرة هذه المعجزة خرّوا ساجدين وآمنوا بالله -عز وجل- وبعظيم قدرته، وأيقنوا أنّ ما حصل أمامهم لا يقدر عليه البشر، قال -تعالى-: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى).[٩][٨]


ولم تكن هذه المعجزة الوحيدة في العصا، فعندما خرج موسى مع مَن آمن مِن قومه ووصلوا إلى البحر لحقه فرعون وجنوده، فأمر الله -تعالى- نبيّه موسى أن يضرب بعصاه البحر، فلمّا فعل انقسم إلى قسمين، ومشى موسى -عليه السلام- مع قومه بينهما، أمّا فرعون وجنوده فانطبق البحر عليهم وهلكوا فيه.[١٠]


مصدر عصا موسى ومكانها

تعدّدت الأقاويل في مصدر ومكان عصا موسى -عليه السلام-، فقيل: كانت عصا أخذها موسى -عليه السلام- من الشجر، وقال بعض القصّاصين: هي من آسِ الجنّة وطولها كذا وكذا، وشكلها كذا وكذا، ولكنّ القرآن الكريم سكت عن هذه التفاصيل، وبيّن أنها كانت بمقدار ما يُتوكّأ عليه، بالإضافة إلى ما حصل من المعجزات منها بأمرٍ من الله، أمّا مكانها ومصدرها فلم يذكر فيه القرآن شيئاً، ولا يلزم البحث عنه، ولا يضرّ الجهل به.[١١]

المراجع

  1. سورة طه، آية:17
  2. سورة طه، آية:18
  3. مجير الدين العليمي، فتح الرحمن في تفسير القرآن، صفحة 286، جزء 4. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سورة النمل، آية:10
  5. سورة طه، آية:68
  6. الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 10745، جزء 17. بتصرّف.
  7. سورة طه، آية:65-69
  8. ^ أ ب عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 128. بتصرّف.
  9. سورة طه، آية:70
  10. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1201، جزء 1. بتصرّف.
  11. الفخر الرازي، تفسير الرازي، صفحة 528، جزء 3. بتصرّف.