معجزة سيدنا موسى مع فرعون

أوحى الله -سبحانه- إلى النبي موسى -عليه السلام-، وكلّمه المولى -جلّ في علاه- ليؤكد له نبوته وبعثته لبني إسرائيل، ويطمئنه لاختياره حاملاً لرسالة التوحيد، وقد أيّده -سبحانه- بالعديد من المعجزات الباهرة، قال عنها -سبحانه- في كتابه العزيز بأنّها تسع آيات، حيث قال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ...)،[١] وقال -تعالى-: (... فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ...).[٢][٣]


ومن الجدير بالذكر أنّ الله -سبحانه- أمر موسى -عليه السلام- أن يبدأ بدعوة فرعون وملئه أولاً، وقد عرّفه المولى بحقيقة هذا الملك الظالم، على الرغم من أنّ موسى -عليه السلام- نشأ وترعرع في قصره، إلا أنّ الله -تعالى- زاده علماً بطباع وصفات فرعون وملئه ليكون على بيّنة من أمره ودعوته، مع تقديم عدد من المعجزات بين يديّ موسى -عليه السلام- ليكون ذلك معيناً له وحجة على قومه. ونذكر هذه المعجزات على النحو الآتي:


معجزة العصا

كانت معجزة العصا من أعظم المعجزات التي أجراها الله -تعالى- على يد النبي موسى -عليه السلام-، فقد كانت هذه العصا تتحول إلى حيّة عظيمة عندا يُلقيها موسى -عليه السلام- على الأرض، فتأكل حبال وعصيّ السحرة الذين جاء بهم فرعون ليخدع الناس بهم، وليتحدّى موسى -عليه السلام- ظنّاً منه أنّه سيغلبه الجموع، إلا أنّ الله -تعالى- أظهر الحقّ وكشف عن قلوب السحرة حتى آمنوا واهتدوا، وخرّوا ساجدين لصنع الله -تعالى-.[٣]


وفي معجزة العصا يقول -سبحانه-: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ* قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى)،[٤] وقال -تعالى-: (فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ).[٥][٣]


معجزة اليد البيضاء

بعد أن أيّد الله -تعالى- موسى -عليه السلام- بالمعجزة الكبرى معجزة العصا، أيّده بالمعجزة الثانية وهي اليدّ المشعّة؛ التي يُصاحبها نور ساطع في الليل والنهار كنور الشمس، فكان موسى -عليه السلام- إذا ضمّ يده تحت إبطه الأيسر، ثم أخرجها بعد ذلك ظهرت لامعةً بيضاء على هيئة نور يغشى الأبصار، من غير عيب أو مرض كالبرص أو أذى، ثم تعود إلى حالها مرة أخرى إذا ردّها وضمّها.[٦]


قال -سبحانه-: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ)،[٧] وهذه الآية والمعجزة لم يستطع أحدٌ من سحرة فؤعون أن يعارضها أو أن يتحدّى المجيء بمثلها، فكانت حجّة دامغة تزيد من قوة سيدنا موسى -عليه السلام- أمام فرعون وملئه.[٦]


معجزة شق البحر

لحق فرعون وجنوده المؤمنون من بني إسرائيل، الذين آمنوا مع موسى -عليه السلام- وأرادوا الخروج والنجاة بإيمانهم، لحقهم فرعون ليردّهم عن ذلك، ويعيدهم إلى ضلالهم القديم، وقد خرج مع فرعون العديد من الجنود الأقوياء، والخيل الشديدة بجموع كبيرة، فلمّا أدركهم وتراءى الجمعان لبعضهما البعض، ولم يبقَ للنجاة سبيل إلا القتال والمواجهة أوحى الله -تعالى- إلى موسى -عليه السلام- أن يشقّ البحر بعصاه.[٨]


وما كان من البحر إلى أنّ انفلق استجابةً لأمر الله -تعالى- ووحيه، فقيل إنّه انشق اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق يسير فيه، وقد ارتفع الماء على جانبي الطريق كالجبل القائم حتى نجى موسى -عليه السلام- ومن معه، ولمّا أراد فرعون لحاقهم والسير في الطريق التي سار عليها كليم الله -تعالى- ومن معه، عاد البحر إلى حاله وأغرق الظالمين، وغشي الماء فرعون وجنوده فهلكوا.[٨]


يقول -سبحانه وتعالى-: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ* فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ* وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ* وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).[٩][٨]


المعجزة

تُعرف المعجزة على أنّها: أمرٌ خارق للعادة، يُجريه الله -تعالى- على يد نبي من أنبيائه دلالة على صدق نبوته ودعوته، وتكون المعجزة مقرونةً بالتحدّي، مع عدم إمكانية معارضتها من المتحدِّين، إضافةً إلى مجيئها وفقاً لما أخبر به صاحبها من الأنبياء -عليهم السلام-، فجميع هذه المحددات والشروط هي ما تميّز المعجزة عن غيرها من الأمور، ويمكن زيادة توضيحها وتلخيصها بالنقاط الآتية:[١٠]


  • أمر خارقة للعادة؛ أيّ أنّ المعجزة تكون على غير ما اعتاده الناس أو ألفوه؛ كحرارة النار، وبرودة الثلج، فالمعجزة نأتي خارج هذه الأحكام دون معارضتها لأحكام العقل.
  • يُجريه الله على يد نبيّ من الأنبياء -عليهم السلام-؛ أيّ أنّ مصدر المعجزة إلهيّ لا علاقة للنبي -عليه السلام- بالقدرة عليه أو بالإتيان به من عنده، فالله -سبحانه- هو الذي يُجري هذه المعجزة على نحوٍ يُناسب كل نبي من الأنبياء، وكل قوم من الأقوام.
  • دلالة على صدق النبوة والدعوة؛ فالهدف الأبرز من المعجزات إقامة الحجّة على الأقوام، وتأييد الأنبياء -عليهم السلام-، وإثبات صدق دعوتهم ونبوتهم.
  • مقرون بالتحدي؛ أيّ أنّ المعجزة تأتي لتحدي القوم ودفعهم لجلب المثل، مما يُقيم الحجّة عليهم عند عجزهم، وهذا التحدّي إمّا أن يكون بصريح اللفظ والعبارة، أو بدليل الحال دون التلفّظ بالتحدّي.
  • عدم التمكّن من المعارضة؛ أيّ أنّ الأقوام لا يستطيعون معارضة المعجزة أو الإتيان بمثلها، كما أنّ كل نبيّ اختصّ بمعجزات محددة تختلف عن معجزات نبيّ آخر، فلا يمكن لنبي أن يأتي بمعجزة نبي آخر أو أن يعارضها، وهذا التنّوع والتعدد لحكمة أرادها الله -سبحانه-.
  • موافقتها لما أخبر بها صاحبها؛ أيّ أن تكون موافقة لما وعد به النبي -عليه السلام-، أو لما أخبر به قومه، فإن كانت على عكس ذلك لم تكن معجزة صالحةً لإثبات صدق الدعوة والنبوة، كما حصل مع الكثير ممن ادّعى النبوة.

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:101
  2. سورة النمل، آية:12
  3. ^ أ ب ت عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 128. بتصرّف.
  4. سورة طه، آية:17-21
  5. سورة الأعراف، آية:107
  6. ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 201-202، جزء 16. بتصرّف.
  7. سورة طه، آية:22
  8. ^ أ ب ت ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 79-82، جزء 2. بتصرّف.
  9. سورة الشعراء، آية:61-66
  10. فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 257-261. بتصرّف.