قصة سيدنا سليمان مع النمل

سيدنا سليمان ولغة الحيوانات

لقد أعطى الله -سبحانه- لسيدنا سليمان -عليه السلام- القدرة على فهم لغة الحيوانات والطيور، كما سخّر له الجنود من الجن والإنس وغيرها، فما كان منه إلا الشكر وحسن التعامل مع هذه النعم؛ قال -تعالى-: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)،[١] وقال -تعالى-: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).[٢][٣]


ومن اللغات التي فهمها سليمان -عليه السلام- وعلّمه الله منطقها لغة النمل؛ حيث إنّ النمل أمة من الأمم التي تُسبّح الله -سبحانه-، لكننا لا نعي ذلك لعدم فهمنا للغاتها، ولو علمنا الله منطق هذه الكائنات لفقهنا تسبيحهم لله، قال -تعالى-: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)،[٤] ولمّا علّم الله -سبحانه- النبي سليمان لغة جميع الأقوام والأمم من الحيوانات والإنس والجن، فهم دبيب النملة عندما أصدرت تنبيهاتها لبقية النمل، وفيما يأتي بيان ذلك.[٥]


قصة سيدنا سليمان مع النملة

جاءت قصة النملة مع سيدنا سليمان -عليه السلام- في سورة النمل، والتي سمّيت بذلك بسبب هذه القصة،[٦] فقد أطلعتنا آياتها على ما دار بين النمل وقائدتهم؛ حيث كان النبي سليمان يتجول مع جنوده في وادٍ للنمل، فلمّا رأتهم هذه النملة الحريصة نادت على بقيّة النمل ليدخلوا مساكنهم، محذرةً لهم من التحطم والموت تحت أقدام الجند وهم لا يشعرون بذلك؛ قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).[٧][٨]


وعندما سمع سليمان -عليه السلام- تحذيراتها، وفهم كلامها تبسّم ضاحكاً تعجباً من قولها، وسروراً بما حباه الله -تعالى- بهذه النعمة الجليلة، فما كان منه إلا أن شكر المولى على ما أكرمه به؛ قال -تعالى-: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).[٩][٨]


ومن الجدير بالذكر أنّ بعض كتب التفسير ذكرت أنّ النبي سليمان -عليه السلام- لمّا سمع قول النملة أمر جنده أن يأتوا بها إليه؛ فسألها عن سبب تحذيرها للنمل منه -عليه السلام- ومن جنوده؛ مع أنّه نبي عادل، فردّت عليه أنّها خشيت على النمل من الاشتغال بالنظر إلى ملكه -عليه السلام-، والانبهار بجنده عن التسبيح وذكر الله -سبحانه-، وهذا ما ذكره القرطبي والثعلبي وغيرهما.[١٠]


الدروس المستفادة من قصة النملة

يمكن للناظر في لطائف هذه القصة استنتاج الكثير من الدروس النافعة، والتي من أجلها أخبرنا الله -تعالى- بقصّة هذه النملة مع نبيّه سليمان -عليه السلام-، ومن هذه الدروس:

  • إكرام الله -سبحانه- لنبيّه سليمان -عليه السلام-؛ بتعليمه منطق الأمم والأقوام المختلفة.
  • الحرص على الآخرين من المخاطر التي قد توقع بهم مسؤولية كل فرد في المجتمع الواحد.
  • شكر الله -تعالى- على النعم العديدة التي تغمر الإنسان.
  • النعمة التي يحصل عليها الأبناء هي نعمة على الوالدين، وتحديداً نعمة الدين؛ لأنّ الأبناء إذا كانوا صالحين نفعوا والديهم بالدعاء والعمل الصالح.

المراجع

  1. سورة النمل، آية:17
  2. سورة النمل، آية:16
  3. الكتاني، محمد المنتصر، تفسير المنتصر الكتاني، صفحة 1، جزء 133. بتصرّف.
  4. سورة الإسراء، آية:44
  5. الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 3608، جزء 6. بتصرّف.
  6. جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية خصائص السور، صفحة 171، جزء 6. بتصرّف.
  7. سورة النمل، آية:18
  8. ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 276، جزء 19. بتصرّف.
  9. سورة النمل، آية:19
  10. الثعلبي، تفسير الثعلبي الكشف والبيان عن تفسير القرآن، صفحة 206، جزء 20. بتصرّف.