قصة سيدنا زكريا والشجرة

تعددت أقوال أهل السير والتاريخ في قصة مقتل سيدنا زكريا -عليه السلام-، واختباءه من قومه في إحدى الأشجار؛ إذ لم يثبت في هذه القصة دليل صحيح من القرآن الكريم، أو من السنّة النبويّة الصحيحة، وإنما هي بعض النقولات والمرويات الواردة عن أهل الكتاب في ظاهرها على رأي بعض أهل العلم،[١] وفيما يأتي تلخيص لهذه الروايات:


قتل يحيى وأبوه زكريا عليهما السلام

ذكرت بعض المصادر أنّ النبي يحيى -عليه السلام- لمّا قُتل على يد امرأة فاسدة، كانت قد راودته عن نفسه، وأمرت ملك البلاد أن يأتيها برأسه لامتناعه عنها؛ فلمّا قُتل يحيى، وانخسفت الأرض عذاباً بالقوم، وعلم أبوه زكريا -عليهما السلام- بذلك ولّى فاراً منهم حتى دخل بستاناً في أرض بيت المقدس، فنادته إحدى الأشجار إليها، وطلبت منه الاختباء فيها، فاستجاب النبيّ الكريم، ودخل في وسطها.[٢]


إلا أنّ إبليس استدرك وأخذ طرف رداء زكريا -عليه السلام-، وأظهره من الشجرة حتى يستدلّ بنو إسرائيل عليه ليقتلوه، وحتى يصدّقوه حين يدلهم عليه؛ ولمّا جاء القوم دلّهم إبليس على مكان زكريا -عليه السلام-، وأعطاهم علامة ذلك، فما كان منهم إلا أن انطلقوا إلى مكان العلامة -في الشجرة التي اختبأ فيها زكريا عليه السلام-، وقطعوها بالفؤوس حتى انقسمت نصفين، فقتل النبي زكريا -عليه السلام- على إثر ذلك.[٢]


اتهام زكريا عليه السلام

رُوى عن بعض أهل العلم أنّ مريم -عليها السلام- لمّا حملت بالنبي عيسى -عليه السلام- وظهر الحمل عليها؛ طاف الشيطان على بني إسرائيل، وأخبرهم أن زكريا -عليه السلام- هو من فعل بها ذلك -وحاشاه عليه السلام-، فاتهمه القوم بحمل السيدة مريم، وعزموا على قتله، وأرسلوا في طلبه -عليه السلام-، ولمّا علم زكريا -عليه السلام- خرج إلى وادٍ مليءٍ بالأشجار.[٣]


وقد تمثّل له إبليس على صورة راعٍ، وطلب منه أن يدعو الله -تعالى- بأن يفتح له إحدى الأشجار فيختبأ فيها، فدعا زكريا -عليه السلام-، وانفتحت له الشجرة واختبأ فيها، وبقي أثر ثوبه خارجها، وقيل إنّ إبليس هو من أبقاه ليكون دلالة على مكان النبي زكريا -عليه السلام-، فلمّا جاء القوم أشار إبليس إلى الشجرة التي اختبأ فيها النبي زكريا، فنشروه في المنشار وهو داخلها حتى مات -عليه السلام-.[٣]


وقد كان ذلك -بحسب هذه الرواية- قبل مقتل يحيى -عليه السلام-، كما قيل غير ذلك من المرويات، منها: أنّ زكريا -عليه السلام- توفي على فراشه، وأنّ الذي نُشر كان نبياً يُدعى إشعيا، وقد صحح بعض أهل العلم الرواية الأولى التي تقول بقتل زكريا -عليه السلام- على يد قومه.[٣]


قتل بني إسرائيل للأنبياء عليهم السلام

ذكر القرآن الكريم فساد بني إسرائيل، وقيامهم بقتل الأنبياء بغير حق في عدد من الآيات القرآنية؛ فقال -تعالى- في خطاب بني إسرائيل: (... أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ)،[٤] وقال -تعالى-: (... قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).[٥][٦]


كما قال -تعالى- في عقابهم على قتل الأنبياء والاعتداء: (... وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ۗ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)،[٧] وقد ذكر بعض أهل العلم قصة قتل يحيى وزكريا وإشعيا -عليهم السلام-، استدلالاً على قتل بني إسرائيل للأنبياء -عليهم السلام-، كما ذكر البيضاوي في تفسيره.[٨]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 224، جزء 8. بتصرّف.
  2. ^ أ ب النويري، شهاب الدين، نهاية الأرب في فنون الأدب، صفحة 204-205، جزء 14. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، صفحة 298-299، جزء 2. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:87
  5. سورة البقرة، آية:91
  6. "الأنبياء الذين قتلوا على يد اليهود"، إسلام ويب، 12/12/2004، اطّلع عليه بتاريخ 2/7/2023. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:61
  8. ناصر الدين البيضاوي، تفسير البيضاوي أنوار التنزيل وأسرار التأويل، صفحة 84، جزء 1. بتصرّف.