جاء القرآن الكريم على ذكر عددٍ من الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى للدعوة إليه وإقامة دينه، وعرضت سورٌ وآياتٌ منه لقصصٍ ومواقف من حياة بعض الأنبياء والرسل عليه السلام، ومن الأنبياء الذين ورد ذكرهم: نبي الله زكريا عليه السلام، وتاليًا تعريفٌ به، وذكرٌ لأبرز المواقف في حياته عليه السلام.


النبيُّ زكريا عليه السّلام

تعريف بالنبيّ زكريا عليه السلام

ورد اسم النبيّ زكريا -عليه السلام- مجرّدًا في عدّة مواضع من كتابِ الله تعالى، ومنها قوله تعالى: (وَزَكَرِيّا وَيَحيى وَعيسى وَإِلياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحينَ)،[١] ولم تأتِ نصوص القرآن الكريم أو السنّة النبويّة على ذكر اسم والده عليه السلام، إلّا أنّ نسب زكريا -عليه السلام- ينتهي إلى النبيّ يعقوب بن إسحاق عليهما السلام، وهو من آل عمران، صهر مريم عليها السلام، وزكريا -عليه السلام- نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل بُعث فيهم، وكان عهدُه قريبًا من عهد عيسى بن مريم -عليهما السلام- التي تكفّل زكريا -عليه االسلام- برعايتها.[٢][٣]


مِهنةُ النبيّ زكريا عليه السلام

كان لزكريا كما لسائر الأنبياء والرسل -عليهم السلام- مهنةٌ يعملون فيها، وقد كانت مهنة زكريا -عليه السلام- النِّجارة؛ وذلك لما رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "كان زكرياءُ نجَّارًا".[٤][٥]


مواقف من حياة زكريا عليه السلام

كفالة النبيّ زكريا عليه السلام لمريمَ بنت عمران

نذرت امرأة عمران جنينها لله تعالى؛ ليخدم بيت الله ويكون عابدًا مؤمنًا بالله عزَّ وجلَّ، وكان مُناها أن يكون ولدًا ذكرًا حتى يقوم مهمبة العبادة والخدمة لبيت المقدس على أتمّ وجهٍ، فلمّا حان موعد الولادة كانت إرادة الله وحكمته أن يكون المولود أنثى، وأسمتها مريم، وحصّنتها وذريتها بالله -عزّ وجّل- من شرّ الشيطان وشرْكه ووسوسته، وكان القبول من الله لنذر امرأة عمران؛ فتقبّلَ الله تعالى الوليدة مريم وأنبتها نباتًا طيبًا، وجعل اللهُ -عزّ وجلّ- زكريا -عليه السلام- كفيلًا لها بعد أن وقعت القرعة عليه من بين الذين أرادوا كفالة مريم عليها السلام؛ فقام زكريا -عليه السلام- برعايتها في طفولتها وخدمتها والإنفاق عليها، وقيل إنّ ذلك كان بسببِ موتِ أبيها أو عدم قدرته على كفالتها آنذاك، قال الله عزّ وجلّ: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا).[٦][٧][٣]


دعاءِ النبيّ زكريا عليه السّلام

ابتدأت سورة مريم بذكر زكريا -عليه السلام- ودعائه وتضرّعه إلى الله، قال تعالى: (كهيعص ذِكرُ رَحمَتِ رَبِّكَ عَبدَهُ زَكَرِيّا* إِذ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا* قالَ رَبِّ إِنّي وَهَنَ العَظمُ مِنّي وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا وَلَم أَكُن بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَإِنّي خِفتُ المَوالِيَ مِن وَرائي وَكانَتِ امرَأَتي عاقِرًا فَهَب لي مِن لَدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقوبَ وَاجعَلهُ رَبِّ رَضِيًّا* يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسمُهُ يَحيى لَم نَجعَل لَهُ مِن قَبلُ سَمِيًّا* قالَ رَبِّ أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَكانَتِ امرَأَتي عاقِرًا وَقَد بَلَغتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا* قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَد خَلَقتُكَ مِن قَبلُ وَلَم تَكُ شَيئًا* قالَ رَبِّ اجعَل لي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلّا تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا* فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ المِحرابِ فَأَوحى إِلَيهِم أَن سَبِّحوا بُكرَةً وَعَشِيًّا).[٨]


فالآيات الكريمة تبيّن كيف توجّه النبيّ زكريا -عليه السلام- إلى الله -عزّ وجلّ- وقد بلغ عمرًا كبيرًا؛ فوهن عظمه؛ أي رقّ وضعف،[٩] وابيضَّ شعرُ رأسه، وزادت مخاوفُه -عليه السلام- على حفظ دين الله وإقامته، وكان زكريا -عليه السلام- يحمل على عاتقه هم الدعوة إلى الله تعالى، ويريد أن يكون معه من يحمل همّ حماية دعوة التوحيد وملّة آبائه وأجداده، فكان دعاء زكريا -عليه السلام- بعدما دخل على مريم وهي في خلوتها في المحراب مع ربّها -عزّ وجلّ- ووجد عندها من الكرامات ما تتعجب منه النفس؛ فمريمُ في محرابها تُرزقُ فاكهة الصيفِ في وقت الشتاء، فلمّا رأى زكريا -عليه السلام- ما أكرم الله تعالى به مريم؛ ازداد يقينه بالله الكريم، وأخذ يدعو الله تعالى أن يرزقه ذريةً طيبةً تحفظُ شريعة الله تعالى، بعد أن زاد الفساد والإفساد من بني إسرائيل، وأن ترِثَ هذه الذريّة العلم والعمل بدين الله تعالى، ودعا زكريا -عليه السلام- بقلبٍ صادقٍ متيقّنٍ من وعد الله عزّ وجلّ، فحقّق الله تعالى دعاءه، وجاءت الملائكة تبشّره بإجابة دعائه، وكانت إجابةً أدهشت النبيّ زكريا عليه السلام؛ إذ وهبهُ الله -عزّ وجلّ- يحيى -عليه السلام- نبيًّا صالحًا بارًّا بوالديهِ، فاطمأنت نفسُ زكريا -عليه السلام- وزالت مخاوفه، قال الله تعالى: (وكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ* هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ* فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٠][١١]


وفاة النبيّ زكريا عليه السلام

لمْ يرد نصٌ صحيح في الكيفية التي تَوفّى الله تعالى بها النبيّ زكريا عليه السلام، وذُكرت عدّة أخبارٍعن قَتْل بني إسرائيل للنبيّ زكريا وابنه يحيى -عليهما السلام- في بعض نصوص أهل الكتاب، إلّا أنّ أيًّا من هذه الأخبار لم يرد فيه نصٌ صحيحٌ من الكتاب والسّنة، إنّما ورد في القرآن الكريم والسنة عن عادة بني إسرائيل بقتلهم أنبيائهم، قال الله تعالى في محكم كتابه: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّـهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا[١٢] وكذلك قوله عزّ وجلّ: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ[١٣] وقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ)،[١٤] ففي هذه الآيات ذكر بعضُ المفسرين أنَّ الأنبياء المقصودين فيها هما: زكريا ويحيى -عليهما السلام- مع أنّه لا نصّ صريح في القرآن الكريم أو السنّة أنّهما -عليهما السلام- هما المقصودان في هذه الآيات.[١٥]


المراجع

  1. سورة الأنعام، آية:85
  2. إسلام ويب (09/06/2011)، "قصة زكريا عليه السلام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 459-460. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2379، صحيح.
  5. فريق جناح دعوة ممتد (7/1/2013)، "حديث: كان زكريا - عليه السلام - نجارًا "، موقع الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.
  6. سورة آل عمران، آية:35-37
  7. [ابن الدَّوَاداري]، كتاب كنز الدرر وجامع الغرر، صفحة 248-249. بتصرّف.
  8. سورة مريم، آية:1-11
  9. "تحليل ومعنى وهن"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 06/10/2021. بتصرّف.
  10. سورة آل عمران، آية:37-39
  11. إسلام ويب (09/06/2011)، "قصة زكريا عليه السلام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.
  12. سورة النساء، آية:155
  13. سورة البقرة، آية:87
  14. سورة آل عمران، آية:112
  15. مجموعة من العلماء (17/7/2003)، "هل مات زكريا ويحيى حتفاً أم قتلاً"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.