ذكر قصة سيدنا داود والنعاج في القرآن الكريم
ذكر القرآن الكريم قصة سيدنا داود -عليه السلام- مع الخصمين الذين احتكما إليه في أمر نعاجٍ لهما، وقد جاء ذلك تحديداً في سورة ص.
وفي هذا قال -تعالى-: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ* إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ* قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ* فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ).[١]
ويمكن توضيح هذه القصة وما جاء فيها من أقوال أهل العلم -من المفسرين- على النحو الآتي:
دخول الخصمين على سيدنا داود
كان سيدنا داود -عليه السلام- ذات مرة يتعبّد الله -سبحانه- بمحرابه، فدخل عليه خصمان اثنان من أعلى السور، ودخلوا محرابه من غير بابه؛ فقد مُنعوا من ذلك لانشغال داود -عليه السلام- بعبادته وصلاته، فلمّا دخلوا بهذه الطريقة فزع منهم داود -عليه السلام-، ولكنّهما طمأناه وأخبراه عن شأن خصومتهما، وقيل: إنّ هذين الخصمين كانا ملكين بعثهما الله -سبحانه- ليختبر النّبي الكريم، وقيل: هما بشران؛ أحدهما صاحب قطيعٍ من النعاج، والآخر لا يملك إلا نعجة واحدة.[٢]
القضاء في الخصومة
عرض الخصمان خصومتهما على سيدنا داود -عليه السلام-، فقال الأوّل -صاحب النعجة الواحدة- بأنّ صاحبه الآخر يملك من النعاج تسعاً وتسعين واحدة، وقد طلب منه أن يعطيه نعجته الوحيدة ليضمّها إلى نعاجه طمعاً بأن تُكمل نعاجه المئة، وقد ألحّ هذا المالك -الرجل الثاني- في طلبه حتى ظلم صاحبه، وقهره، وغلبه في القول، وأخذ النّعجة منه ولم يُبقِ له شيء.[٣]
ولمّا نظر داود -عليه السلام- في أمرهما؛ حكم بأنّ ما فعله صاحب النّعاج الكثيرة ظلم واعتداء، وأنّ ما أخذه من صاحبه بالحياء والإلحاح لا يجوز، وينبغي عليه إعادتها، ثم أخبرهما بأنّ كثيراً من الخلطاء الذين يتشاركون مع بعضهم في المال، أو في الأنعام، أو في غير ذلك، بحيث يصير مالهم واحداً بهذه الشراكة؛ يتجاوزن ويتعدّون على حقوق شركائهم، ويأكلون جزءاً من حقوقهم.[٣]
ولا ينجو من ذلك إلا الذين آمنوا واتقوا ربهم في شركائهم، وكفّوا أنفسهم عن التعدّي والطمع، وهم قلّة بين الناس، وفي هذا حثّ من داود -عليه السلام- لهذين الخصمين على التقوى وحسن العمل، والابتعاد عن الظلم.[٤]
وبعدما انتهى داود -عليه السلام- من حلّ الخصومة، سجد لله -تعالى-؛ بعد أنْ علم أنّ هذا الأمر هو اختبار منه -سبحانه-، وقد قيل إنّ استغفاره كان لسوء ظنّه بالخصمين عندما تسوّروا عليه المحراب، فقد ظنّ أنّهما جاءا لقتله لذا فزع منهم، وقيل لأنّه استعجل في الحكم دون أن يتثبّت من صحّة كلام صاحب النعجة الواحدة، وقد رجّح بعض أهل العلم القول الأول.[٤]
شبهات حول هذه القصة
يدّعي بعض المغرضين والكاذبين أنّ داود -عليه السلام- وقع منه ذنبٌ عظيمٌ -وحاشاه عن فعل ذلك- لذا تاب إلى الله -تعالى-؛ من القتل، وارتكاب الفواحش ونحو ذلك والعياذ بالله، مما لا يليق بمقام النبوة ولا مقام العصمة، فلا يصحّ أن يُنسب إليه ولا إلى أيّ نبي من الأنبياء -عليهم السلام- مثل هذه الأقوال أو الأفعال.[٥]
وكل ذلك ما هو إلا مرويات نُقل بعضها عن أهل الكتاب، والتي تُخالف ظاهر النصوص القرآنيّة الكريمة، مما يعني عدم جواز الأخذ بها، أو تصديقها، أو التّحديث بها؛ فوجب التنبيه لذلك لئلا يقع اللبس على كثير من الناس.[٥]
المراجع
- ↑ سورة ص، آية:21-25
- ↑ وهبة الزحيلي، تفسير المنير، صفحة 180، جزء 23. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد العزيز الطريفي، التفسير والبيان لأحكام القرآن، صفحة 2018-2019، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 186-187، جزء 23. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام، صفحة 321، جزء 6. بتصرّف.