النبي هود عليه السلام

ذكر المؤرخون أنّ سيدنا هود كان من نسل نبي الله نوح -عليهما السلام-، إذ إنّ ذرية نوح -عليه السلام- لمّا تكاثرت وانقسمت إلى قبائل وشعوباً متعددة؛ وبَعُدَ عليهم زمان الأنبياء والرسل كفروا وطغوا، وبان ضلالهم، ومن أبرز هذه القبائل قوم عاد؛ وذلك بيّن في قوله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً)،[١] وقد أرسل الله -سبحانه- إليهم هود -عليهم السلام- ليهديهم إلى دين الله -تعالى-، ويرشدهم إلى الصواب؛ قال -تعالى-: (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ).[٢][٣]


قوم هود عليه السلام

ذكر أهل العلم أنّ قبيلة عاد كانت تنقسم إلى قسمين: عاد الأولى، وعاد الآخرة أو الثانية، وقوم هود -عليه السلام- هي عاد الأولى؛ التي سكنت في جنوب الجزيرة العربية والتي تسمى الأحقاف، والتي قال فيها -سبحانه-: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ)،[٤] أمّا عاد الثانية فهم من نسل هود -عليه السلام- من الذين آمنوا وخرجوا معه، وقد هلكوا على يد القحطانيين، وقد استدلوا على ذلك أنّ الله سبحانه- لما ذكر عاد الأولى لم يذكر أنّها هلكت كلّها فما بقي منها أحد كما ذكر في حق قوم ثمود؛ حيث قال -سبحانه-: (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَىٰ).[٥][٦]


وعاد عند العرب رمز للشيء العائد القديم، فهي قبيلة من العرب البائدة كما أنّها من أقدم القبائل العربية؛ لذلك يقال هذا عاديّ أي قديم بقدم قبيلة عاد،[٦] وتذكر المصادر أنّ عاد الأولى هم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وأنّ أصنامهم كانت ثلاثة؛ وهي: صدا وصمودا وَهِرَا.[٧]


دعوة هود عليه السلام

اختار الله -سبحانه نبيّه هود -عليه السلام- من قبيلة عاد ليدعوهم إلى عبادة الله -تعالى-، وقد بيّن لهم أنّه منهم، مهتمٌ بأمرهم ونصحهم وهدايتهم، مع إقامة الحجج والبراهين على وحدانية الله -تعالى-، وإكرامه وإنعامه؛ فقد مدّهم بقوة الجسم والبنيان، وأعطاهم من الحضارة والأنعام والزروع والجنات ما ستوجب الشكر؛ قال -تعالى- على لسان هود -عليه السلام-: (ويَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).[٨][٩]


وقال -تعالى-: (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)،[١٠] والنصوص القرآنية التي تشهد بحسن ولين خطاب هود -عليه السلام- مع قومه كثيرة متعددة، ولكنّهم أمام كل ذلك تمسّكوا بالضلال، وآثروا الشرك وما وجدوا عليه آبائهم من عبادة الأوثان على الهداية، حتى وصل بهم الأمر إلى اتهام نبيّهم هود -عليه السلام- بالسّفاهة، والإصابة بالجنون وخفّة العقل، اعتقاداً منهم أنّ آلهتهم هي من صبّت عليه الغضب وأصابته بذلك، فما كان من هود -عليه السلام- إلا أن تبرأ منهم، ووعدهم بالعذاب الشديد.[٩]


عذاب قوم هود عليه السلام

لمّا طغت عاد ولم ينفع معها الإنذار والتذكير بأمر الله -تعالى-، أرسل عليهم ريحاً قويّة شديدة أهلكتهم، وجعلتهم عبرة لمن بعدهم؛ قال -تعالى-: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)،[١١] وقد كانوا يظنّون أنّ الله -سبحانه- أرسل السحاب عليهم ليمطرهم بمطر الخير، ولكنّه العذاب الذي استحقوه، قال -تعالى-: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ).[١٢][١٣]


وقد أنجى الله -تعالى- نبيّه هود -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين، وترك -جلّ وعلا- على قوم عاد اللعنة إلى يوم القيامة جزاء استكبارهم وطغيانهم، مع ترفهم وجحودهم لنعمه -جلّ وعلا-.[١٣]

المراجع

  1. سورة الأعراف، آية:69
  2. سورة هود، آية:50
  3. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 78. بتصرّف.
  4. سورة النجم، آية:50
  5. سورة النجم، آية:51
  6. ^ أ ب محمد إسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 2، جزء 85. بتصرّف.
  7. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 121، جزء 1.
  8. سورة هود، آية:52
  9. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 81-83.
  10. سورة الشعراء، آية:132-135
  11. سورة الحاقة، آية:6-8
  12. سورة الأحقاف، آية:24
  13. ^ أ ب أبو بكر محمد زكريا، الشرك في القديم والحديث، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.