إنّ الأنبياء أكثر الناس ابتلاءً، كما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه سُئل: (يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ)،[١][٢] وقد عرض القرآن الكريم للابتلاءات التي تعرّض لها عددٌ من الأنبياء والرسل -عليهم السلام- في مواضع كثيرةٍ منه، ومن الأنبياء الذين ذكر القرآن الكريم ابتلاءهم وصبرهم على الابتلاء: نبي الله أيوب -عليه السلام-، وفيما يأتي مزيد بيانٍ عن ابتلاء أيوب، ومدّته، وصبره عليه، ومعافاة الله -تعالى- له منه.
ابتلاء نبي الله أيوب
كم سنةً صبر أيوب على البلاء؟
أورد الحاكم النيسابوريّ روايةً في كتابه المستدرك على الصحيحين، تشير إلى أنّ ابتلاء أيوب -عليه السلام- استمرّ خمس عشرة سنةً، وفي روايات أخرى أنّه استمر ثماني عشرة سنةً،[٣] وجاء في رواية الحاكم: (إنَّ أيُّوبَ نَبيَّ اللهِ لبِثَ به بَلاؤُه خَمسَ عَشْرةَ سَنةً، فرفَضَه القَريبُ والبَعيدُ إلَّا رجُلَينِ من إخْوانِه كانَا من أخَصِّ إخْوانِه، قد كانَا يَغْدوانِ إليه ويَروحانِ، فقالَ أحَدُهما لصاحِبِه ذاتَ يَومٍ: نَعلَمُ واللهِ لقد أذنَبَ أيُّوبُ ذَنبًا ما أذنَبَه أحَدٌ منَ العالَمينَ، فقالَ له صاحِبُه: وما ذاك؟ قالَ: منذُ ثمانيَ عَشْرةَ سَنةً لم يَرحَمْه اللهُ، فيَكشِفَ عنه ما به، فلمَّا راحَا إلى أيُّوبَ لم يَصبِرِ الرَّجلُ حتَّى ذكَرَ له ذلك، فقالَ أيُّوبُ: لا أدْري ما تَقولُ، غيرَ أنَّ اللهَ يَعلَمُ أنِّي كنْتُ أمرُّ بالرَّجلَينِ يَتَنازَعانِ يَذكُرانِ اللهِ، فأرجِعُ إلى بَيْتي، فأُكَفِّرُ عنهما كَراهيةَ أنْ يُذكَرَ اللهُ إلَّا في حقٍّ، وكان يخرُجُ لحاجَتِه، فإذا قَضى حاجَتَه أمسَكَتِ امْرأتُه بيَدِه حتَّى يبلُغَ).[٤]
بماذا ابتلى الله أيوب عليه السلام؟
لم تُفصّل آيات القرآن الكريم في ذكر نوع الابتلاء الذي ابتلاه الله -تعالى- لأيوب -عليه السلام-؛ إلّا النصّ على أنّه أصيب بالضرّ كما جاء في قول الله -تعالى- على لسانه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)،[٥] ومن العلماء والمفسّرين من ذكر مستفيدًا ممّا تشير إليه الآيات والأحاديث الواردة عن أيوب -عليه السلام- أنّه ابتلي بالمرض الشديد، وقد تركه كلّ أصحابه وأقاربه إلّا زوجته التي بقيت بجواره وتعينه، وأنّه ابتلي كذلك بفقد كلّ ولده وماله، ولم يبقَ له شيءٌ، وأنّ زوجته اضطرت لتقصّ جديلتها وتبيعها؛ لتنفق عليه.[٦]
صبر أيوب على البلاء ومعافاة الله له
لاقى أيوب -عليه السلام- ابتلاء الله -تعالى- له بصبرٍ ورضًا تامٍّ، وكان -كما تذكر الروايات- يستحي أن يدعو الله -تعالى- ويسأله رفع البلاء عنه؛ لأنّ الله -تعالى- قد عافاه وأنعم عليه لسنين طويلةٍ، إلى أن أشفق وحزن لحال زوجته التي باعت جديلة شعرها؛ لتنفق عليه، وكانت تعينه وتخدمه، فدعا الله -تعالى- وتضرّع إليه؛ ليرفع البلاء عنه؛ فأمره الله -تعالى- بأن يضرب الأرض بقدمه؛ فضربها، ونبعت من الأرض ماءٌ، شرب منها واغتسل كما أمره الله -تعالى-، فشفي وعادت له عافيته، ورزقه من الأموال والأولاد تعويضًا عمّا فقده، كما جاء في قول الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ).[٧][٦]
دروسٌ مستفادةٌ من ابتلاء أيوب
حفلت قصّة أيوب -عليه السلام- في ابتلائه، وكيفيّة تعامله مع ابتلاء الله -تعالى- له بجملةٍ من الدروس والعبر التي يستفيدها المسلم في حياته، ومن هذه الدروس والعبر:[٨]
- الصبر سبيلٌ للفرج: فقد فرّج الله -تعالى- عن أيوب -عليه السلام-؛ لصبره ورضاه، وعدم سخطه أو جزعه من قضاء الله -تعالى- وأمره، وكان صبر أيوب -عليه السلام- مثلًا يُضرب لكلّ مبتلى.
- مشروعيّة التداوي: حيث أمر الله -تعالى- أيوب بأن يتداوى بالماء الذي أخرجه له من الأرض بشربه والاغتسال به.
- في ابتلاء الأنبياء تعزيةٌ للعباد: إنّ في قصص ابتلاء الأنبياء -عليهم السلام- بالمرض وفقد الولد؛ عزاءً وتسليةً لكلّ مبتلى من الناس.[٩]
المراجع
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:2398، حسن صحيح.
- ↑ "شرح حديث: أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2022.
- ↑ "حقيقة بلاء أيوب عليه السلام"، إسلام ويب، 14/2/2008، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه الحاكم النيسابوري، في المستدرك الصحيحين، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4166، صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:83
- ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 239-246. بتصرّف.
- ↑ سورة ص، آية:41-43
- ↑ د. محمود بن أحمد الدوسري (27/10/2020)، "فوائد وعبر من ابتلاء أيوب (عليه السلام)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2022. بتصرّف.
- ↑ "أنبياء الله تعالى هم أكمل الناس خلقا وخلقا"، إسلام ويب، 26/3/2005، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2022. بتصرّف.