بعث الله -تعالى- رسله وأنبياءه؛ لهداية الناس ودعوتهم إلى الإيمان والتوحيد، وقد لاقى الأنبياء والرسل -عليهم السّلام- في سبيل الدعوة مشاقّ كثيرةً؛ فتحمّلوا وصبروا وبخاصّةٍ أولو العزم منهم، قال الله -تعالى- مخاطبًا نبيّه محمد -عليه الصّلاة والسّلام-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)،[١] كما زخر القرآن الكريم بمواقف دالّةٍ على صبر الأنبياء والرسل على أقوامهم وعلى ابتلاءاتٍ أصابتهم،[٢] وكان من أبرز مواقف الصبر على الابتلاء: صبر نبيّ الله أيّوب -عليه السّلام-، وتاليًا بيان لقصّة ابتلائه وصبره.


النبي أيوب الذي ابتلاه الله فصبر

ابتلى الله -تعالى- نبيّه أيوب -عليه السّلام- فكان صابرًا كما جاء وصفه في القرآن الكريم: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)،[٣] وكان أيّوب من ذريّة نبي الله إبراهيم -عليه السّلام-، وتمثّل الابتلاء الذي حلّ بأيّوب -عليه السّلام- في فقد المال والأهل والولد، ولم يبقَ معه إلا زوجته، ووهن جسده ومرض، فما كان منه إزاء هذه الابتلاءات كلّها إلا الصبر وحمد الله -تعالى- على ما به، حتّى صار يُضرب به المثل في الصبر، وكان -عليه السّلام- يستحي من الله -تعالى-؛ فلم يدعُه ليزيل عنه ما به من بلاءٍ، إلى أن انصرف الناس من حوله بسبب مرضه، ولم يبقَ سوى زوجته تخدمه وتعمل لتنفق عليه؛ حتى باعت ضفائرها لأجل ذلك، فأشفق أيّوب على حالها وتوجّه إلى الله -تعالى- بالدعاء كما جاء في قوله -تعالى-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)،[٤] وقوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)،[٥] فأكرمه الله -تعالى- بإجابة دعائه؛ فشافاه وردّ إليه عافيته، ورزقه الذريّة، قال الله -تعالى- إجابةً لدعاء أيّوب: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)،[٦] وقد أمر الله أيّوب بعد أن سمع دعاءه أن يقوم من مكانه فيضرب الأرض برجله؛ فأخرج الله -تعالى- له عينًا من الماء، فأمره أن يغتسل بها، فاغتسل أيوب من هذه الماء فذهب ما كان في جسده من الأذى، كما في قوله -تعالى-: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ).[٧][٨]


عبرٌ من قصّة أيوب عليه السّلام

زخرت قصّة نبيّ الله أيّوب -عليه السّلام- بفوائد وعبرٍ جمّةٍ، تنفع المسلم في دنياه وآخرته إن التزم بها، ومن هذه الفوائد والعبر:[٩]

  • اللجوء إلى الله -تعالى- في السّراء والضرّاء، واليقين التّام بأنّ كشف البلاء بيده وحده -سبحانه-؛ فهو الذي بيده مقاليد كلّ شيءٍ.
  • ضرورة التحلّي بالصبر عند كلّ مصيبةٍ أو بلاء يحلّ بالمسلم؛ فقد اجتمعت على أيّوب -عليه السّلام- ابتلاءاتٌ عدّةٌ في آنٍ واحدٍ فصبر عليها.
  • معرفة أنّ الابتلاءات من الأمور المحتومة في الدنيا، وأنّها إذ تصيب المسلم في أحوالٍ فغايتها اختبار الله -تعالى- لإيمان المسلم وصبره، كما جاء في قوله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).[١٠]


المراجع

  1. سورة الأحقاف، آية:35
  2. موسوعة الأخلاق، "نماذج من صبر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 30/08/2021. بتصرّف.
  3. سورة ص، آية:44
  4. سورة الأنبياء، آية:83
  5. سورة ص، آية:41
  6. سورة الأنبياء، آية:84
  7. سورة ص، آية:42-43
  8. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 239-244. بتصرّف.
  9. "قصة أيوب عليه السلام"، إسلام ويب، 10/08/2011، اطّلع عليه بتاريخ 30/08/2021. بتصرّف.
  10. سورة محمد، آية:31