طير إبراهيم عليه السلام

ورد في القرآن الكريم في سورة البقرة قصة نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- عندما طلب من الله -عزّ وجلّ- أن يريَه كيفية إحياء الموتى، حيث قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي..)،[١] وهذا الطلب ليس شكّاً منه بقدرة الله -تعالى-، بدليل أنه سأله عن الكيفية ولم يكن سؤاله عن القدرة، فلا علاقة بالإيمان والكفر.[٢]


حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (نَحْنُ أَحَقُّ بالشَّكِّ مِن إبْرَاهِيمَ إذْ قالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي})،[٣] فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أراد بقوله هذا نفي الشك عن نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كنا نحن لا نشك في قدرة الله على إحياء الموتى، فسيدنا إبراهيم أولى بذلك، فطَلَبُ إبراهيم من هذا للعيان والمشاهدة؛ لأن ذلك أبلغ في القلب واطمئنان القلب،[٤] كما قال: (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).


وقد قال أهل العلم أن إبراهيم -عليه السلام أراد أن ينتقل من علم اليقين إلى مرحلة عين اليقين، لِيرى بعينه المعجزة الإلهية، ويرتقي إلى عين اليقين، وهو الذي يكون بالبصر والرؤية، وقول الله -تعالى-: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)، ليس على سبيل الاستفهام وإنما مقصود ذلك أنك آمنت بأني أحيي الموتى، فكان جواب إبراهيم أنه أراد اطمئنان قلبه بالأدلة اليقينية.[٥]


فأمره الله -تعالى- أن يأتي بأربعة من الطيور، فقال -تعالى- في تكملة الآية السابقة: (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)،[١] فأمره بجمع هذه الطيور، ثم تمزيقها وتقطيعها، ثم يقوم بتخليط أجزائها بين بعضها، ويجعل على كل جبل من الجبال التي في القرب منه، جزءاً من تلك الأجزاء، ثم أمره بدعوة هذه الطيور، ففعل، فحصلت للطيور الحياة فجاءته بمثل ما كانت عليه من الصورة والخلقة، فالله -تعالى- قادرٌ على كل شيء، إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون.[٦]


العبرة المستفادة من قصة إبراهيم وإحياء الطيور

إن في قصة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وإحياء الطيور الأربعة دلالة حسية على بيان قدرة الله -عزّ وجلّ- في إحيائه الموتى للبعث والجزاء، مما يؤدي ذلك إلى زيادة الإيمان والتقوى في قلب المسلم، وتحقيق التوحيد، وتقوية اعتماده على الله -عزّ وجلّ، والإذعان والاستسلام له، والأخذ بالأسباب، وفيها أيضاً الحثّ على الاقتداء بنبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، والتأسي به في توحيده وإخلاصه لله -عزّ وجلّ-، ونفي الشكّ والقصور في حقّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- الذي قد يُتوهّم للبعض، وبيان محبة الله -عزّ وجلّ- لخليله إبراهيم، لاستجابته سؤاله وقبوله.


المراجع

  1. ^ أ ب سورة البقرة، آية:260
  2. "إن إبراهيم كان أمة - (12) إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة "، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 25/7/2022. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3372، صحيح.
  4. "شروح الأحاديث"، الدرر السنية الموسوعة الحديثية، اطّلع عليه بتاريخ 25/7/2022. بتصرّف.
  5. عثمان الخميس، فبهداهم اقتده، صفحة 167-169. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن، صفحة 112. بتصرّف.