لماذا سجن النبي يوسف؟

سُجن يوسف -عليه الصلاة والسلام- في مصر بسبب فتنة امرأة العزيز وكيدها الذي حاكته على يوسف، إذ إنّها راودته عن نفسه ورغبت به وأغلقت الأبواب عليهما ليشعر بالأمان ولا يشعر بأيّ خوفٍ من الفضيحة أو العقاب من العزيز الذي كان بمثابة سيده، وكانت في الحقيقة هي التي ترغب بيوسف، إلّا أنّه امتنع عن مُراد امرأة العزيز ولم يحقّق رغبتها، وتوعّدته بالسجن إن لم يأتمر بأمرها ويخضع لرغبتها، فقد قدّ رضا الله -تعالى- وتقواه والخشية منه على أهواء النفس ورغباتها، واعتصم بالله وفضّل السجن على هوى النفس، ولم يكن يعلم مدّة مكوثه في السجن، قال -تعالى-: (وَلَقَد راوَدتُهُ عَن نَفسِهِ فَاستَعصَمَ وَلَئِن لَم يَفعَل ما آمُرُهُ لَيُسجَنَنَّ وَلَيَكونًا مِنَ الصّاغِرينَ*قالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدعونَني إِلَيهِ وَإِلّا تَصرِف عَنّي كَيدَهُنَّ أَصبُ إِلَيهِنَّ وَأَكُن مِنَ الجاهِلينَ*فَاستَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنهُ كَيدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ*ثُمَّ بَدا لَهُم مِن بَعدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسجُنُنَّهُ حَتّى حينٍ)،[١] فاستجاب الله -تعالى- دعاء نبيّه ومكث في السجن مدةً من الزمن اعتصاماً بالله من فتنة امرأة العزيز، وامتناعاً عن الوقوع في المحرّمات.[٢][٣]


قصة يوسف في السجن

سُجن يوسف -عليه الصلاة والسلام- ظلماً وبهتاناً، إلّا أنّه في الحقيقة بُعداً عن الفتنة والمحرّمات، قال -تعالى-: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)،[٤] والتقى في السجن بفتيَين كانا خادمَين للملك، وقد سُجِنا بتُهمة المؤامرة على الملك، وفي إحدى الليالي رأى كلٌّ منهما رؤية في منامه، وأخبرا يوسف -عليه السلام- بهما لِإحسانه وأخلاقه الرفيعة، فأوّلهما يوسف بما علّمه الله -تعالى-، قال -سبحانه-: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنّي أَراني أَعصِرُ خَمرًا وَقالَ الآخَرُ إِنّي أَراني أَحمِلُ فَوقَ رَأسي خُبزًا تَأكُلُ الطَّيرُ مِنهُ نَبِّئنا بِتَأويلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ المُحسِنينَ)،[٥] فكانت فرصةً ليوسف -عليه السلام- للدعوة إلى توحيد الله -عزّ وجلّ-، ونبذ الشرك به، وذكر لهم ابتعاده عن ملّة الكفر واتّباعه ملّة آبائه المتمثّلة بتوحيد الله، وبيّن أنّ ذلك كلّه فضلاً وإحساناً من الله -تعالى-، قال -سبحانه-: (قالَ لا يَأتيكُما طَعامٌ تُرزَقانِهِ إِلّا نَبَّأتُكُما بِتَأويلِهِ قَبلَ أَن يَأتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَني رَبّي إِنّي تَرَكتُ مِلَّةَ قَومٍ لا يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كافِرونَ*وَاتَّبَعتُ مِلَّةَ آبائي إِبراهيمَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ ما كانَ لَنا أَن نُشرِكَ بِاللَّـهِ مِن شَيءٍ ذلِكَ مِن فَضلِ اللَّـهِ عَلَينا وَعَلَى النّاسِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَشكُرونَ*يا صاحِبَيِ السِّجنِ أَأَربابٌ مُتَفَرِّقونَ خَيرٌ أَمِ اللَّـهُ الواحِدُ القَهّارُ*ما تَعبُدونَ مِن دونِهِ إِلّا أَسماءً سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما أَنزَلَ اللَّـهُ بِها مِن سُلطانٍ إِنِ الحُكمُ إِلّا لِلَّـهِ أَمَرَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ).[٦][٧]


ثمّ أوّل للفتَيَين رؤيتهما، فتأويل الرؤية الأولى يدلّ على خروج الفتى من السجن ثمّ قُربه من الملك وسقاية الخمر له، أمّا الرؤية الثانية فتدلّ على أنّ صاحبها سوف يموت ثمّ يُصلب، ثمّ طلب يوسف -عليه السلام- من الفتى الذي سيخرج من السجن ويتقرّب من الملك أن يذكره عند سيده علّه يخرج من السجن، إلّا أنّ الشيطان أنساه ذلك، قال الله -عزّ وجلّ-: (يا صاحِبَيِ السِّجنِ أَمّا أَحَدُكُما فَيَسقي رَبَّهُ خَمرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصلَبُ فَتَأكُلُ الطَّيرُ مِن رَأسِهِ قُضِيَ الأَمرُ الَّذي فيهِ تَستَفتِيانِ*وَقالَ لِلَّذي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنهُمَا اذكُرني عِندَ رَبِّكَ فَأَنساهُ الشَّيطانُ ذِكرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجنِ بِضعَ سِنينَ).[٨][٧]


خروج يوسف من السجن

خرج يوسف -عليه الصلاة والسلام- من السجن بسبب رؤية الملك، إذ رأى رؤية لم يعلم أحدٌ تفسيرها وتأويلها، ثمّ تذكّر الفتى الذي كان يسقي الخمر للملك أمر يوسف -عليه السلام-، وذكره لسيده، ثمّ أمر بالإتيان بيوسف، وقصّ عليه الرؤية، وفسّرها له يوسف -عليه السلام-، قال -تعالى-: (وَقالَ المَلِكُ إِنّي أَرى سَبعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتوني في رُؤيايَ إِن كُنتُم لِلرُّؤيا تَعبُرونَ*قالوا أَضغاثُ أَحلامٍ وَما نَحنُ بِتَأويلِ الأَحلامِ بِعالِمينَ*وَقالَ الَّذي نَجا مِنهُما وَادَّكَرَ بَعدَ أُمَّةٍ أَنا أُنَبِّئُكُم بِتَأويلِهِ فَأَرسِلونِ*يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدّيقُ أَفتِنا في سَبعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلّي أَرجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُم يَعلَمونَ)،[٩] وقال يوسف للملك أنّ الأرض ستكون خصبةً مد سبع سنواتٍ ثمّ تجدب الأرض سبع سنواتٍ أخرى، وأرشدهم إلى ما يفعلونه لتفادي الجدب الذي سيمرّوا به، قال -تعالى-: (قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنينَ دَأَبًا فَما حَصَدتُم فَذَروهُ في سُنبُلِهِ إِلّا قَليلًا مِمّا تَأكُلونَ*ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ سَبعٌ شِدادٌ يَأكُلنَ ما قَدَّمتُم لَهُنَّ إِلّا قَليلًا مِمّا تُحصِنونَ*ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفيهِ يَعصِرونَ)،[١٠] ثمّ أراد الملك إخراج يوسف من السجن إلّا أنّه امتنع إلى حين ظهور براءته من كيد امرأته، فاعترفت بذنبها وخرج يوسف من السجن، وجعله الملك وزيراً للمال يتصرّف في البلاد وفق حكمته وذكائه، قال -تعالى-: (وَقالَ المَلِكُ ائتوني بِهِ أَستَخلِصهُ لِنَفسي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ اليَومَ لَدَينا مَكينٌ أَمينٌ*قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ*وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ يَتَبَوَّأُ مِنها حَيثُ يَشاءُ نُصيبُ بِرَحمَتِنا مَن نَشاءُ وَلا نُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ).[١١][١٢][٧]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية:32-35
  2. "سبب سجن يوسف عليه السلام مع ظهور براءته"، إسلام ويب، 11/10/2005، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021. بتصرّف.
  3. "يوسف وامرأة العزيز .. ودرس في العفة للشباب"، إسلام ويب، 21/9/200، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:216
  5. سورة يوسف، آية:36
  6. سورة يوسف، آية:37-40
  7. ^ أ ب ت حسام بن عبدالعزيز الجبرين، "قصة يوسف عليه السلام (3)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021. بتصرّف.
  8. سورة يوسف، آية:41-42
  9. سورة يوسف، آية:43-46
  10. سورة يوسف، آية:47-49
  11. سورة يوسف، آية:54-56
  12. "تفسير سورة يوسف-ابن كثير"، التفسير، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2021. بتصرّف.