قصة سيدنا يعقوب عليه السلام

قصة سيدنا يعقوب مع رؤيا ابنه يوسف

تبتدأ قصة يعقوب في القرآن الكريم برؤيا ابنه يوسف -عليهما السلام-؛ حيث رأى نبي الله يوسف -عليه السلام- رؤيا ذات دلالة؛ فقصّها على والده يعقوب -عليه السلام-، الذي استبشر منها بمستقبل ابنه يوسف الزاهر، لذلك أمره بأن يكتم هذه الرؤيا ولا يخبر إخوته بها، فيضمرون له الكيد والشر؛ قال -تعالى-: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ* قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ).[١][٢]


قصة سيدنا يعقوب مع افتراء أبنائه

كان إخوة يوسف -عليه السلام- يغارون منه، بسبب محبة والده له ولأخيه من أمّه، حيث ذكرت المصادر أنّ أبناء يعقوب -عليه السلام- كانوا من زوجتين مختلفتين؛ قال -تعالى-: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)،[٣] فرأوا أنّ هذه المحبّة ستؤثّر عليهم، كما خافوا على السيادة أن تتجه إلى يوسف وأخيه؛ فقرروا التخلص منه بطريقة لا تُظهر أنّهم المذنبون أو الفاعلون.[٤]


وبدأ إخوة يوسف -عليه السلام- بالتشاور؛ فاقترحوا في البداية أن يقتلوه، أو أن يلقوه في أرض مجهولة لا يُعرف فيها أحد؛ ومن بعد ذلك يتوبون إلى الله ويُصلحوا من أنفسهم، ويتحقق لهم مرادهم بالتفات والده إليهم وإلى مكانتهم؛ قال -تعالى-: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)،[٥] لكنّ أحد إخوته اقترح أن يُلقى في بئر ماء مظّلمة، وبعد أن اتفقوا على هذا الخيار دخلوا على أبيهم يعقوب -عليه السلام- وهم يُخفون الخديعة والمكر، وطلبوا منه أن يأخذوا يوسف معهم أثناء ذهابهم وتسلّيهم، وقد ضمنوا له الحفاظ عليه حتى يقبل بإرساله معهم.[٦]


لكنّ يعقوب -عليه السلام- أحسّ منهم الخديعة، فبرر رفضه في بداية الأمر قائلاً: (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)،[٧] فقدموا له الوعود والمواثيق حتى يأمنهم عليه، وفعلاً ذهبوا به وأجمعوا أمرهم على رميه في بئر الماء، ولمّا عادوا مساءً جاؤوا أباهم يبكون، ومعهم قميص يوسف -عليه السلام-، وهو مُلطخ بالدماء الكاذبة، وقد أبدوا الحزن على أخيهم يوسف، وقالوا لأبيهم بأنّ الذئب قد أكله عندما تركوه عند المتاع، وذهبوا يستبقون فيما بينهم؛ قال -تعالى-: (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ).[٨][٦]


قصة سيدنا يعقوب مع الفقد والحزن

ومن هنا بدأت معاناة يعقوب -عليه السلام- مع الحزن والفقد، وقد اشتد عليه الأمر بفقدان يوسف -عليه السلام-، حتى ابيضّت عيناه من كثرة البكاء والدموع، وبعدها عانى من فقد ابنه الأصغر أخو يوسف من أمّه -عليه السلام-، حيث ذكر القرآن الكريم قدوم إخوة يوسف -عليه السلام- إلى أرض مصر زمن الجدب والقحط، وقد كان -عليه السلام- عزيز مصر عندها؛ فعرفهم وتحايل عليهم لأخذ أخيه إلى جانبه، فدبّر لهم الحيلة بوضع متاع له في رحال أخيه، واتهمه بالسرقة أمام الملأ، وبذلك تمكن يوسف -عليه السلام- من الاجتماع بأخيه.[٩]


ولمّا عادوا إلى أبيهم وأخبروه بما حدث معهم؛ زاد حُزنه واشتدّ ألمه، حتى تذكّر ابنه يوسف فقيده الأول، وقال: (وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ).[١٠][٩]


قصة سيدنا يعقوب مع عوض الله تعالى

ومع كلّ ما أصاب يعقوب -عليه السلام- من الحزن والابتلاءات، إلا أنّه استعان بالله -سبحانه-، وتدرّع بالصبر والاحتساب، وظنّ بالله ظناً حسناً، وقال لأبنائه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)،[١١] فناله عوض الله -سبحانه-؛ حيث ردّ إليه ابنه يوسف -عليه السلام-، وعاد إليه بصره بعد أن فقده من شدّة الحزن، كما اجتمع مع أبنائه في مصر، وقد قدّمه يوسف -عليه السلام- إلى العرش، وبذلك تحققت الرؤيا الصادقة التي رآها يوسف -عليه السلام-، فاجتمعت له كل النعم ونال من الله -سبحانه- الجزاء العظيم مقابل صبره واحتسابه.[١٢]


العبر والدروس المستفادة من قصة يعقوب

يظهر للناظر في ثنايا هذه القصة وتفصيلاتها الكثير من اللطائف النافعة، منها:

  • الحسد والبغضاء يدفع الإنسان لفعل العديد من التصرفات المذمومة.
  • رؤيا الأنبياء حق.
  • عاقبة الصبر لا تكون إلا خيراً.
  • اشتداد الابتلاءات على الإنسان دليل اقتراب الفرج -بإذن الله-.
  • إرادة الله سبحانه- تفوق كل مكر وكيد.
  • تهيئة الأسباب والظروف لحصول أمر ما من رحمة الله وحكمته.

المراجع

  1. سورة يوسف، آية:4-5
  2. [صلاح الخالدي]، التفسير والتأويل في القرآن، صفحة 47. بتصرّف.
  3. سورة يوسف، آية:8
  4. محمد إسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 15، جزء 86. بتصرّف.
  5. سورة يوسف، آية:9
  6. ^ أ ب [أحمد محمود الشوابكة]، غرر البيان من سورة يوسف عليه السلام في القرآن، صفحة 30. بتصرّف.
  7. سورة يوسف، آية:13
  8. سورة يوسف، آية:17
  9. ^ أ ب [أحمد أحمد غلوش]، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 198-202. بتصرّف.
  10. سورة يوسف، آية:84
  11. سورة يوسف، آية:87
  12. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 61-70، جزء 13. بتصرّف.