النبي يوسف عليه السّلام

يوسف -عليه السّلام- هو أحد أنبياء الله تعالى المرسل إلى بني إسرائيل، وأحد أبناء نبي الله يعقوب الإثنا عشر، وأمّه راحيل التي أنجبته وأخوٌ له اسمه بنيامين، في حين كان بقيّة أبناء يعقوب إخوةً ليوسف من أبيه، وكان يوسف -عليه السّلام- أحسنهم وأقربهم مكانةً عند يعقوب عليه السّلام، فهو أصغر إخوته وكان رغم صغر سنّه بسعة عقله وكريم أخلاقه، وهو ما زاد محبّته في قلب والده؛ ممّا جعل إخوته يغتاظون منه ويمكروا له، قال الله تعالى على لسان إخوة يوسف: "لَقَد كانَ في يوسُفَ وَإِخوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلينَ* إِذ قالوا لَيوسُفُ وَأَخوهُ أَحَبُّ إِلى أَبينا مِنّا وَنَحنُ عُصبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفي ضَلالٍ مُبينٍ"،[١] وكان يوسف -عليه السّلام- كريم الخُلق وروي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حين سأله الصحابة -رضي الله عنهم- عن أكرم الناس؛ فقال: "فأكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ"[٢][٣][٤]


قصة يوسف عليه السّلام

رؤيا يوسف عليه السّلام

كان يعقوب -عليه السّلام- قد تبوّء لابنه يوسف بمنزلة ومكانة عظيمةٍ بعد أن قصّ يوسف عليه الرؤيا التي رآها، قال الله تعالى في سورة يوسف: "إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ"؛[٥] فالأحد عشر كوكبًا كنايةٌ عن إخوة يوسف، والشمس والقمر كنايةٌ عن والديه، والسجود المقصود انحناء احترامٍ لا سجود عبادةٍ، وأمر يعقوبُ يوسفَ ألّا يُحدّث إخوته برؤياه؛ كي لا يحسدوه أو يحتالوا حيلةً تصيبه بمكروهٍ.[٦]


مكيدة إخوة يوسف

تآمر إخوة يوسف عليه وأخذوا يتشاورون بينهم في كيفيّة التخلص من يوسف عليه السّلام، فإمّا أن يقتلوه أو يتركوه في الصحراء وحيدًا، حتى اقترح أحدهم أن يلقوه في البئر كما جاء في قوله تعالى: "قالَ قائِلٌ مِنهُم لا تَقتُلوا يوسُفَ وَأَلقوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ يَلتَقِطهُ بَعضُ السَّيّارَةِ إِن كُنتُم فاعِلينَ"، وطلبوا من أبيهم أن يرسل يوسف معهم بعد أن أكدوا له حرصهم عليه وأنّهم سيحفظونه من أي مكروهٍ يصيبه، فأرسله مع خوفه عليه، وعادوا إلى والدهم عشاءً وادعوا أن يوسف أكله الذئب مستشهدين بدمٍ كذبٍ على قميصه، وأدرك يعقوب أنّها مكيدةٌ وافتراءٌ منهم؛ فقال يعقوب: "بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرًا فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ".[٧][٨]


يوسف في البئر

بعد أن ألقى إخوة يوسف -عليه السّلام- به في البئر، والتقطه قافلةٌ استقرّت عند البئر للتزوّد بالماء، فلمّا أدلى أحد أفراد القافلة دلوه تنبّه لوجود يوسف، وقرر هو ومن معه بيعه، فبيع يوسف -عليه السّلام- لعزيز مصر الذي اشتراه بثمنٍ زهيدٍ كما جاء في قول الله تعالى: "وَجاءَت سَيّارَةٌ فَأَرسَلوا وارِدَهُم فَأَدلى دَلوَهُ قالَ يا بُشرى هـذا غُلامٌ وَأَسَرّوهُ بِضاعَةً وَاللَّـهُ عَليمٌ بِما يَعمَلونَ* وَشَرَوهُ بِثَمَنٍ بَخسٍ دَراهِمَ مَعدودَةٍ وَكانوا فيهِ مِنَ الزّاهِدينَ".[٩][١٠]


يوسف في بيت عزيز مصر

وآواه عزيز مصر في بيته رغبةً في الانتفاع من يوسف -عليه السّلام- أو اتخاذه ولدًا له ولزوجته يتبنّيانه، كما جاء في قول الله تعالى: "وَقالَ الَّذِي اشتَراهُ مِن مِصرَ لِامرَأَتِهِ أَكرِمي مَثواهُ عَسى أَن يَنفَعَنا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَدًا"،[١١] ونشأ يوسف وكبر في بيت العزيز إلى أن راودته زوجة العزيز عن نفسه وحاولت إغواءه وأغلقت عليهما الباب تراوده، لكنّ يوسف أبى واتّجه إلى الباب يريد الخروج وشّدت امرأة العزيز قميصه لتمنعه من الخروج فمزّقته، ووجد يوسف العزيز عند الباب، فحاولت امرأة العزيز أن تلقي بالتهمة على يوسف، وحاول يوسف -عليه السّلام- أن يدفع التهمة عن نفسه بقوله: "قالَ هِيَ راوَدَتني عَن نَفسي"،[١٢] فسُجن ظلمًا وصبر، وبقي فيه لسنواتٍ إلى أن احتاج العزيز لأحد يفسّر رؤيا رآها، ففسّرها له يوسف، وأكرمه عزيز مصر بعدها وبعد أن عرف ما وقع عليه من ظلم؛ فعيّنه على فقال أحد الموجودين؛ إن كان قميص يوسف قد مُزّق من الأمام فهي صادقةٌ وإن كان مُزّق من الخلف فيوسف هو الصّادق؛ فلما وجدوا أنّ قميص يوسف شُقّ من الخلف، تأكّدوا أنّ امرأة العزيز كاذبة وأنّها هي من راودت يوسف، وأنّ ما حدث فعلٌ من كيدها، فما كان من العزيز إلّا أن أمر يوسف بألّا يتحدّث في الأمر وألّا يذكره أمام أحدٍ.[١٣]


يوسف وكيد النسوة

بلغ خبر امرأة العزيز ومحاولة إغوائها ليوسف -عليه السّلام- إلى النساء في المدينة؛ فتحدّثوا عنها، ولمّا علمت امرأة العزيز بحديثهنّ أرسلت في طلبهنّ وأجلستهن وأعطت كلّ واحدةٍ منهنّ سكّينًا، وأخرجت إليهنّ يوسف عليه السّلام، فما كان منهنّ حين رأينه إلا أن جرحن أيديهنّ من شدّة جماله عليه السّلام، فأخبرتهنّ امرأة العزيز أنّه إن لم يفعل يوسف ما تريده منه، فسيكون مصيره السجن، وأمّا يوسف -عليه السّلام- فتوجّه إلى الله تعالى يسأله أن يصرف عنه كيد النسوة، وأنّ السجن عنده أحبّ من أن يعصي الله ويقبل بما تراوده عليه امرأة العزيز من الفاحشة، كما جاء في قوله تعالى: "قالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدعونَني إِلَيهِ وَإِلّا تَصرِف عَنّي كَيدَهُنَّ أَصبُ إِلَيهِنَّ وَأَكُن مِنَ الجاهِلينَ* فَاستَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنهُ كَيدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ"،[١٤] وقرّر بعدها العزيز وأهله بعد أن تبيّن لهم صدق يوسف -عليه السّلام- أن يسجنوه؛ حتى يدفع كلام السوء عن امرأته ويبعدها عن الغواية، فأدخل يوسف -عليه السلام- السجن.[١٥]


يوسف في السجن

أُدخل يوسف -عليه السّلام- السجن، وكان برفقته في السجن اثنان من خدم الملك؛ فسألوا يوسف أن يفسّر لهم رؤى رؤوها في منامهم، فأخبرهم يوسف بما منّ الله تعالى عليه من الوحي والعلم والقدرة على تأويل الرؤى، وأخذ يذكّرهم ويدعوهم قبل أن يفسّر لهم الرؤى كما جاء في قوله تعالى: "يا صاحِبَيِ السِّجنِ أَأَربابٌ مُتَفَرِّقونَ خَيرٌ أَمِ اللَّـهُ الواحِدُ القَهّارُ* ما تَعبُدونَ مِن دونِهِ إِلّا أَسماءً سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما أَنزَلَ اللَّـهُ بِها مِن سُلطانٍ إِنِ الحُكمُ إِلّا لِلَّـهِ أَمَرَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ"،[١٦] ثمّ شرع يفسّر رؤيا الأوّل الذي رأى في المنام أنّه يعصرُ عنبًا؛ بأنّه سيخرج من السجن ويعمل لدى الملك ساقيًا للخمر، وطلب منه يوسف أن يذكره حين يخرج من السجن أمام الملك، وأمّا الثاني الذي رأى أنّه يحمل خبزًا فوق رأسه؛ فتأويله أنّه سيصلب ويترك مصلوبًا حتّى تأكل الطير من رأسه.[١٧]


رؤيا الملك

بعد أن مكث يوسف -عليه السّلام- في السجن بضع سنين، تحدّث الملك عن رؤيا رآها تمثّلت في رؤياه لسبع بقراتٍ سمينات يأكلهنّ سبعُ بقراتٍ ضعيفات، ورأى سبع سنبلات خضر ومثلهنّ يابسات، وسأل من حوله عن تأويلها، فعدّوها أضغاث أحلامٍ ولم يعرفوا تأويلها، فتذكّر ساقي الملك يوسفَ -عليه السّلام- وأنّه يفسّر الرؤى، فذكره أمام الملك، فاستدعى الملك يوسف، وأخبره أنّ تأويل رؤياه بأن يزرعوا أرضهم قمحًا وشعيرًا لسبع سنواتٍ متتاليةٍ، وأن يبقوا ما ينبت في السنابل داخلها ولا يحصدوه إلا قدرًا قليلًا ليأكلوه، وأنّها ستأتيهم سنواتٌ سبعٌ من الجدب والقحط، يليها عامٌ ماطرٌ يُغاثون فيه ويعصرون العنب والزيتون وكلّ ما يعصر، وأرد الملك بعد تأويل يوسف لرؤياه أن يقرّبه منه، فطلب يوسف قبل ذلك أن يحقّق الملك في شأن النسوة وكيدهنّ وامرأة العزيز ويثبت براءته من ذلك، فكان سأل النسوة وشهدن أنّه -عليه السّلام- لم يقترف سوءً، واعترفت امرأة العزيز بما بدر منها، وظهرت براءة يوسف عليه السّلام، وسأل يوسف بعدها الملك أن يولّيه على خزائن ملكه وغلّات أرضه؛ ففعل، وأصبح ليوسف -عليه السّلام- ملكًا وشأنًا عظيمًا بعد أن كان في السجن.[١٣]


لقاء يوسف بإخوته وأبيه

بعد مرور السنوات على يوسف وهو يصرّف شؤون مصر واقتصادها، حصلت مجاعةٌ في أرض كنعان التي يقطنها أبوه وإخوته؛ فقدم إخوته إلى مصر ليتزوّدوا بالطعام، فعرفهم يوسف، وقرّر أن يرتّب أمرًا ليجتمع بأبيه وأخيه الشقيق دون أن يعرف إخوته بأنّه هو يوسف؛ فمنع عنهم التزوّد بالطعام إلا إذا جاءوا بأخيهم من أبيهم، فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم يعقوب وأخبروه بما حصل، فأرسل أبوهم أخاهم معهم بعد أن عاهدوه أنّهم سيعيدوه له سالمًا، فلما رجعوا إلى يوسف، اختلى بأخيه وأخبره أنّه أخوه، وقام يوسف بحيلةٍ ليُبقي أخاه عنده؛ فوضع مكيال الطعام في أمتعة إخوته وادعى أنّه سُرق، فلما فتّشوا أمتعة إخوته وجدوا المكيال فيها، وأخبرهم يوسف أنّه لن يعطيهم أخاهم، ورجوه أن يأخذ أي واحدٍ منهم بدلًا منه، فلم يقبل.[١٠]


وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم وأخبروه بما حدث، فحزن يعقوب وأسف، وطلب منهم أن يرجعوا إلى مصر ليعيدوا أخاهم، فرجعوا إلى مصر ومثلوا أمام يوسف عليه اسّلام، وأخبروه بما حلّ بأبيهم من حزنٍ على فراق ابنه، فرقّ يوسف لحال أبيه، فسأل إخوته معاتبًا ومذكرًا: "قالَ هَل عَلِمتُم ما فَعَلتُم بِيوسُفَ وَأَخيهِ إِذ أَنتُم جاهِلونَ"،[١٨] فعرفوا أنّه يوسف، فندموا على ما كان منهم، وطلب منهم يوسف أن يرجعوا بقميصه إلى أبيهم ويلقوه في وجه؛ ليعود إليه بصره، ثمّ يرجعوا به وبأهلهم إليه ففعلوا، وعادوا بعدها برفقة أبيهم وأهلهم إلى يوسف عليه السّلام، فلمّا رأى يوسف أباه وأمّه -وقيل أنّها خالته التي ربّته- ضمّهما ورفعهما إلى عرش الملك، وانحنوا أمامه انحناء تحيّةٍ وتكريم، وأدرك يوسف أنّها تأويل الرؤيا التي رآها صغيرًا، واستذكر نعمة الله تعالى عليه، كما جاء في قوله تعالى: "رَبِّ قَد آتَيتَني مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَني مِن تَأويلِ الأَحاديثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِمًا وَأَلحِقني بِالصّالِحينَ".[١٩][١٠][٢٠]


دروسٌ مستفادة من قصّة يوسف

حفلت قصّة يوسف -عليه السّلام- الواردة في سورة يوسف دروسًا وعبرًا كثيرةً، من أبرزها الآتي:[٢١]

  • كتمان ما يُخشى من مضرّته إذا أُذيع وعرغ؛ كما وجّه يعقوب يوسف -عليهما السّلام- بأن لا يخبر إخوته بالرؤيا التي رآها.
  • ضرورة العدل بين الأبناء والتسوية بينهم في المعاملة.
  • التحذير من خطورة الذنوب، وأنّ الذنب الواحد قد يجرّ لذنوبٍ أخرى، كما كان من إخوة يوسف الذين جرّهم ذنب حسدهم ليوسف إلى إلقائه في البئر ثمّ إلى الكذب على أبيهم.
  • إذا ابتلي المسلم بمكان فيه ريبةٌ؛ فعليه أن يُسارع لتركه ومغادرته، كما سارع يوسف إلى الباب للخروج من فتنة ومراودة امرأة العزيز.
  • الالتجاء إلى الله تعالى عمد مواطن الفتنة والضيق؛ كما توجّه يوسف بالدعاء إلى الله أن يصرف عنه كيد النسوة.
  • ذكر الله تعالى في الشّدة والرخاء؛ كما ذكر يوسف -عليه السّلام- في الشّدة والكرب عند سجنه، وفي الرخاء عند توليه لخزائن الأرض واجتماعه بأبويه وأهله.


المراجع

  1. سورة يوسف، آية:7-8
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3383، صحيح.
  3. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 198-200. بتصرّف.
  4. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 187-191. بتصرّف.
  5. سورة يوسف، آية:4
  6. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 206-207. بتصرّف.
  7. سورة يوسف، آية:18
  8. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 194-197. بتصرّف.
  9. سورة يوسف، آية:19-20
  10. ^ أ ب ت إسلام ويب (29-07-2012)، "قصة يوسف عليه السلام في القرآن"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 13-08-2021. بتصرّف.
  11. سورة يوسف، آية:21
  12. سورة يوسف، آية:26
  13. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، المنتخب في تفسير القرآن، صفحة 334-341. بتصرّف.
  14. سورة يوسف، آية:33-34
  15. سورة يوسف، آية:39-40
  16. سورة يوسف، آية:89
  17. سورة يوسف، آية:101
  18. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 68. بتصرّف.
  19. عبد الله بن محمد الطيار (10-08-2010)، "دروس وعبر من قصة يوسف عليه السّلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13-08-2021. بتصرّف.