قصة سيدنا إبراهيم مع النمرود
ذكر القصة في القرآن الكريم
ذكر الله -سبحانه- قصّة إبراهيم -عليه السلام- مع النّمرود في سياق يُظهر قوّة الأنبياء في إقامة الحجّة بالدّليل القاطع أمام أهل الباطل؛ خاصّة أولئك الذين بلغ بهم الكفر والعناد والجحود مبلغاً عظيماً عندما ادّعوا الألوهية، وأنّهم يمتلكون من الأسباب والصفات التي اختصّ بها الإله وحده -سبحانه-.
حيث ذكر الله -تعالى- هذه القصّة في كتابه العزيز؛ حيث قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).[١][٢]
التعريف بالنمرود
إذ إنّ النمرود -كما قال عدد من المفسرين- كان ملكاً لبابل في العراق؛ واسمه "النمرود بن كنهان بْنِ كُوشِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ"، وقيل هو: "نُمْرُودُ بْنُ فَالِحِ بْنِ عَابِر بن صَالح بن أرفخشذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ"، وهو ملك من الملوك الذين عتوّ وتجبّروا، وتسلّطوا، وآثروا الحياة الدنيا وزينتها؛ حتى اتسعت رقعة حكمه ونفوذه في مناطق كثيرة، وقد جاء سيدنا إبراهيم -عليه السلام- إلى هذا النمرود بعد قصة الحرق في النّار؛ ليدعوه إلى طريق الحقّ والإيمان بالله -تعالى-، لكنّه ادّعى الربوبية، وعدداً من الصفات الإلهية؛ بالقدرة على التصرّف في شؤون الكون، فأخذ إبراهيم -عليه السلام- يُقيم عليه الحجة والبيّنة.[٣]
مناظرة سيدنا إبراهيم مع النمرود
حيث بدأ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بأول مناظرة بينه وبين النمرود بإثبات قدرة الله -تعالى- على الإحياء والإماتة؛ إذ قصد الخليل -عليه السلام- الاستدلال بمشاهد إحياء المخلوقات وموتها على وجود الخالق؛ فلا بدّ من وجود متصرفٍ في هذا الكون الفسيح يختصّ بهذه الأمور والأفعال، إذ لا يُتصّور أن تقوم مثل هذه الأمور وحدها، ولا مجال لقيام أحد المخلوقات الضعيفة بمثل ذلك، لكنّ النمرود عاند وتجبّر، وادّعى أنّه أيضاً يُحيّي ويُميت؛ وذلك بأن دعا إليه رجلان محكومٌ عليهما بالقتل؛ فأمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، ظاناً بذلك أنّه قادرٌ على الإحياء والإماتة.[٣]
الأمر الذي جعل الخليل -عليه السلام- يأتيه بحُجة أكبر، ودليل أعظم على قدرة الله -تعالى-، وعلى عجزه عن المناظرة؛ فقال له إبراهيم -عليه السلام-: إنّ الله -تعالى- يأتي بالشمس من المشرق في كلّ يوم، مُسخرة لهذا الكون وللمخلوقات التي فيه؛ فلتأتِ بها أيّها النمرود من المغرب؛ فإنّ الذي يقدر على إحياء الخلق وإماتتهم لا يُغالبه شيء، ولا يعجز عن شيء؛ وهنا انقطع هذا النمرود، وظهر بهتانه، وعجز عن الاستمرار في هذه المناظرة؛ كاشفاً عن عجزه ونقصه في أن يكون إلهاً متصرفاً لهذا الكون.[٤]
طلب النمرود الدليل على قدرة الله تعالى
ذكر عدد من المفسرين -كالرازي ومن وافقه- أنّ النمرود لمّا أُقيمت عليه الحجّة الدامغة؛ طلب من إبراهيم -عليه السلام- أن يؤكد له قدرة الله -تعالى- على إحياء الموتى، وهدّده بالقتل؛ لذا طلب إبراهيم -عليه السلام- من الله -سبحانه- أن يُريه ذلك؛ فكان أمر الله -تعالى- له بأن يأخذ أربعة من الطير المذبوحة، ويجعل كل واحدٍ منها على جبل؛ ثم يدعوها إليه، ويرى قدرة الله -تعالى- على البعث والإحياء؛ فجاءته الطيور الأربعة حيّة كما كانت؛ وبهذا الفعل اطمأن قلب إبراهيم -عليه السلام-، وأثبت للنمرود ما طلب من الدليل والبرهان.[٥]
لطائف من قصة سيدنا إبراهيم مع النمرود
يظهر من قصة إبراهيم الخليل -عليه السلام- مع النمرود عدداً من اللطائف والإشارات البارزة؛ نذكر منها ما يأتي:[٦]
- إنّ الله -سبحانه- هو المتصرف الوحيد في هذا الكون، وأنّه الغالب الذي لا يُغلب -سبحانه-.
- إنّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- جاء إلى النمرود ليُناظره ويرشده طريق الإيمان؛ دون أن يحمل له العقوبة أو العذاب.
- إنّ إبراهيم -عليه السلام- لم يُطل الجدال والمراء مع النمرود بما لا ينفع أو يُثمر؛ لذا انتقل إلى الدليل القاطع والمُفحم في إثبات شروق الشمس، وطلب إخراجها من جهة المغرب.
- إنّ إبراهيم -عليه السلام- لم يكن يحتاج دليلاً ليتيقنّ من قدرة الله -تعالى- على إحياء الموتى؛ إذ وصفه الله -تعالى- في عدّة مواضع من القرآن الكريم: بالصلاح، والرشد، واليقين، والإنابة، والوفاء، واتباع الملة الحنيفية.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:258
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 150-151، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 187-189، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 150-151، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الفخر الرازي، تفسير الرازي مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، صفحة 34، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 124-125. بتصرّف.