قصة سيدنا آدم

وردت قصة سيدنا آدم -عليه السلام- في ستة مواضع من القرآن الكريم،[١] تنوعت فيها التفاصيل المذكورة؛ ففي بعض المواضع ركزت الآيات على قضية استخلاف سيدنا آدم -عليه السلام- في الأرض، وعرضت قصة سجود الملائكة لآدم -عليه السلام- وامتناع إبليس عن ذلك، وفي مواضع أخرى كان التركيز على الخطيئة التي وقعت من سيدنا آدم -عليه السلام-، وتسبب ذلك بهبوطه وزوجه إلى الأرض، ومن ثم بيان سر العداوة الطويلة بين بني آدم وإبليس؛ منذ لحظة الإغواء والوسوسة إلى يوم القيامة.[٢]


كما برز في عدد من المواضع الحديث عن خلق الإنسان ابتداءً بخلق سيدنا آدم -عليه السلام-، والمقارنة بين ذلك وخلق الشياطين والجن، وبيان طريق الهدى والضلال للإنسان،[٢] وفيما يأتي عرض لأبرز التفاصيل في قصة سيدنا آدم -عليه السلام-:


قصة خلق سيدنا آدم

روى بعض المفسرين أنّ الله -سبحانه- لمّا أطلع الملائكة -عليهم السلام- على أمر الاستخلاف، وإرادته -سبحانه- بخلق آدم -عليه السلام-؛ خافت الملائكة من الإفساد والتخريب وسفك الدماء في الأرض، وذلك لفساد وطغيان قومٍ من الجنّ، حيث كانوا في الأرض قبل الإنسان، وقد أنزل الله -تعالى- إليهم الملائكة لمحاربتهم؛ لذا كان خوفهم من هذا الخليفة؛ لكنّ الله -سبحانه- أعلمهم من علمه ما شاء، وطوى عنهم ما اختصّ به لنفسه؛ فكانت إرادة الله -تعالى- في خلق آدم -عليه السلام-.[٣]


وبدأ خلق الله -تعالى- لآدم -عليه السلام- بالعنصر المادي؛ حيث كان من خلقه -عليه السلام- من طين، قال -تعالى-: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ)،[٤] وبعدها كان النفخ بالروح، والأمر بالسجود والتعظيم لأمر الله -تعالى-، قال -سبحانه-: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).[٥][٦]


وقد جاء في الصحيح أنّ سيدنا آدم -عليه السلام- لمّا نفخت فيه الروح، أمره الله -تعالى- بالسلام على الملائكة؛ ففي الحديث: (خَلَقَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- آدَمَ علَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِراعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ علَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وهُمْ نَفَرٌ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فاسْتَمِعْ ما يُجِيبُونَكَ، فإنَّها تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قالَ: فَذَهَبَ فقالَ: السَّلامُ علَيْكُم، فقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللهِ، قالَ فَزادُوهُ: ورَحْمَةُ اللهِ..).[٧]


قصة نزول سيدنا آدم من الجنة

لقد عهد الله -سبحانه وتعالى- إلى سيدنا آدم -عليه السلام- بأن لا يأكل من شجرة محددة في الجنة، وكان كل ما سواها متاحاً للتمتع والأكل منه؛ ولكنّ الشيطان وسوس له وأغراه بأنّها شجرة الخلود والملك؛ فلم يقوَ سيدنا آدم -عليه السلام- على هذا الاستزلال والإغراء، فلمّا أكل منها آدم وزوجه حواء -عليهما السلام- أمرهما الله -سبحانه- بالنزول إلى الأرض، والسكن فيها ومن بعدهما من ذريتهما إلى يوم القيامة، وقد تاب آدم -عليه السلام- إلى الله -تعالى- واستغفره بكلمات ألهمه إياها -سبحانه-، فتاب عليه وعفا عنه، واستخلفه في الأرض، وكان أوّل الأنبياء.[٨]


وقد قال -تعالى- في ذلك: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى* فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى* قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى).[٩][٨]


عداوة الشيطان لسيدنا آدم

كان الشيطان عدواً حاسداً لسيدنا آدم -عليه السلام-؛ فقد تأصلت هذه العداوة منذ أن أمر الله -تعالى- الملائكة بالسجود لآدم -عليه السلام- ورفض الشيطان لذلك؛ متعللاً بأفضليته في الخلق، إذ كان الشيطان مخلوقاً من نار، وكان آدم -عليه السلام- مخلوقاً من الطين، وقيل لأنّ آدم -عليه السلام- كان شاباً عالماً بما علّمه الله -تعالى- من الأسماء كلها، وكان إبليس شيخاً جاهلاً، بالإضافة إلى حسد الشيطان لآدم -عليه السلام- على النعم التي ظهرت عليه من إكرام المولى -عز وجل-.[١٠]


ومن هنا كانت العداوة بين آدم -عليه السلام- والشيطان؛ والتي دفعته للوسوسة والإغواء، وقد لحق ذلك ببني آدم من بعده -عليه السلام- حيث توّعد الشيطان بإغوائهم وإضلالهم جميعاً، حيث جاء على لسان الشيطان في القرآن الكريم: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).[١١][١٢]

المراجع

  1. نور الدين عتر، علوم القرآن الكريم، صفحة 249. بتصرّف.
  2. ^ أ ب جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية خصائص السور، صفحة 269، جزء 4. بتصرّف.
  3. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 219، جزء 1. بتصرّف.
  4. سورة ص، آية:71
  5. سورة الحجر، آية:29
  6. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 41-42. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:2841، صحيح.
  8. ^ أ ب الواحدي، التفسير البسيط، صفحة 549، جزء 14. بتصرّف.
  9. سورة طه، آية:120-123
  10. الخطيب الشربيني، السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير، صفحة 487، جزء 2. بتصرّف.
  11. سورة الأعراف، آية:17-18
  12. الشوكاني، فتح القدير، صفحة 220، جزء 2. بتصرّف.