زواج الرسول من عائشة
كانت عائشة -رضي الله عنها- أصغر زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، والبكر الوحيدة بينهنّ؛ إذ لم يتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بكراً غيرها، كما كانت الزوجة الثالثة للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد سبقتها أمّ المؤمنين خديجة، وأمّ المؤمنين سودة بنت زمعة -رضي الله عنهما-،[١] وقد كان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- منها وحيّاً من الله -تعالى-، وبأمر منه -سبحانه-.[٢]
حيث رأى النبي الكريم ذلك في منامه؛ ففي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال لعائشة -رضي الله عنها-: (أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ له: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُنْ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ، فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ).[٣][٢]
قصة زواج الرسول من عائشة
وتذكر الروايات أنّ زوجة عثمان بن مظعون خولة بنت حكيم -رضي الله عنهما-؛ هي من عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- الزواج، إذ خيّرته بين ثيبٍ وبكر، فلمّا سألها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البكر أخبرته أنّها عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-، فوافق النبي، وذهبت خولة إلى أمّ رومان زوجة أبي بكر لتُعلمها برغبة رسول الله في خطبة عائشة -رضي الله عنها-، فلمّا أخبرتها طلبت منها أن تنتظر رأي أبي بكر الصديق في ذلك، ولمّا علم أبو بكر بذلك استغرب؛ ظاناً نفسه أخاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- كأخوة النسب؛ مما يُحرّم نكاح النبي من ابنته.[٤]
ولكنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره أنّهما إخوة في الإسلام، فعاد أبو بكر لزوجته يشاورها؛ فأخبرته أنّ المطعم بن عديّ كان قد ذكر عائشة -رضي الله عنها- لابنه، فانطلق إلى بيت مطعم ليتأكد منه؛ فكان جوابه وزوجته هو رفض هذا الزواج لاتّباع عائشة -رضي الله عنها- دين الإسلام، وبعدها عقد النبي -صلى الله عليه وسلم على عائشة -رضي الله عنها- وهي ابنة ست سنوات،[٤]وبنى بها وهي ابنة تسع سنوات، في شهر شوال بالسنة الأولى للهجرة، في المدينة المنورة.[٥]
شبهات حول زواج الرسول من عائشة
أُثير العديد من الشبهات حول زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من عائشة -رضي الله عنها-؛ لصغر سنّها عندما بنى بها النبي، معتمدين على روايات الصحيحين في ذلك؛ حيث ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (تَزَوَّجَنِي النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وأَنَا بنْتُ سِتِّ سِنِينَ.. فَلَمْ يَرُعْنِي إلَّا رَسولُ اللَّهِ ضُحًى، فأسْلَمَتْنِي إلَيْهِ وأَنَا يَومَئذٍ بنْتُ تِسْعِ سِنِينَ).[٦][٧]
وكل ذلك جهلاً بعدد من الأمور، وعدم إدراك الفارق بين الأزمنة في القديم والوقت الحاضر، وبين البيئات، والأعراف المتعلّقة بالزواج ونحو ذلك، وآتياً تلخيص أهمّ ما يمكن الرّد على مثل هذه الشبهات:[٧]
- إنّ قدّرة النساء والفتيات على النكاح وما يتعلق به من تبعات كالحمل والإنجاب؛ يختلف من زمنٍ لآخر، ومن بيئةٍ لأخرى؛ لاختلاف الثقافات وعوامل أخرى تتعلق بطبيعة الغذاء والمناخ والخصوبة.
- إنّ إمهال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- ثلاث سنوات قبل البناء بها؛ خير دليل على مراعاته -صلى الله عليه وسلم- لقدرتها على تحمل التكاليف الزوجيّة وتبعاتها.
- إنّ عائشة -رضي الله عنها- على الرغم من صغر سنّها؛ إلا أنّها كانت قويّة البنيّة، سريعة النمو كنساء العرب في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ذكائها وفطنتها، وحسن إدراكها.
- أنّ الغرض من نكاح النبي -صلى الله عليه وسلم- من عائشة كان لتوثق علاقته بصاحبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-؛ لا دافعاً للشهوة أو الغريزة كما يدّعي بعض الجهلة، وحاشى للنبي أن يُنسب له مثل ذلك.
- أنّ زيجات النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تحمل أبعاداً اجتماعية، وسياسية، بالإضافة إلى الأبعاد النفسية؛ وفي زواجه ممن يكبرنه أو ممن بلغنّ سناً لا يصلح معه النكاح خير دليل على هذا الأمر.
- أنّ زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من عائشة -رضي الله عنها- لم يُنكر أو يُطعن به من قبل كفّار مكة المكرمة؛ الذين لم يتركوا فرصة للغمز واللمز إلا وأتوها؛ ولو كان مستهجناً لتصّدروا لذلك قبل وقتنا هذا، إذ كان ذلك مما اعتاد العرب عليه في شبه الجزيرة العربية، فلم تكن عائشة -رضي الله عنها- أول من تُنكح بمثل هذا السنّ.
وبهذا يتضحّ أنّ التّجنّي على هذا الزواج المبارك إنما كان ممن لم يزن الأمور وزنها، ولم يُدرك فهم الاختلاف بين العادات والثقافات والأزمان؛ فينبغي على المسلم تحرّي الصواب، وسدّ الأبواب أمام المشككين والطاعنين؛ الذين يسعون لتضليل الناس وإفساد دينهم عليهم.
مواضيع أخرى:
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام، صفحة 248، جزء 11. بتصرّف.
- ^ أ ب بحرق اليمني، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، صفحة 203. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:7012، صحيح.
- ^ أ ب أبو جعفر ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، صفحة 163، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة التاريخية الدرر السنية، صفحة 23، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3894، صحيح.
- ^ أ ب محمد بن فريد زريوح، المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين، صفحة 1716-1719، جزء 3. بتصرّف.