قصة ذبح سيدنا إسماعيل

قصة ذبح سيدنا إسماعيل

اختبار سيدنا إبراهيم

ثبت في القرآن الكريم أنّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- سأل الله -تعالى- أن يهب له ولداً صالحاً لمّا هاجر من أرض قومه عندما أصرّوا على الكفر والجحود؛ فبشرّه الله -تعالى- بغلام حليم، وهو إسماعيل -عليه السلام-، ولمّا بلغ إسماعيل -عليه السلام- أشدّه وصار يسعى في المصالح، ويستطيع أن يديرها كوالده إبراهيم -عليهما السلام-، رأى إبراهيم في المنام أنّه يذبح ابنه إسماعيل -عليهما السلام-، ورؤيا الأنبياء حقّ؛ أيّ إنّها تكون وحي من الله -تعالى-؛ ففي الحديث: (إنَّ رُؤْيَا الأنْبِيَاءِ وحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: "إنِّي أرَى في المَنَامِ أنِّي أذْبَحُكَ").^[١][٢]

وهنا كان الاختبار الثاني لسيدنا إبراهيم -عليه السلام-؛ فبعد أن امتحنه الله -تعالى- في ترك زوجته وابنه بوادٍ غير ذي زرع، دون ماء أو أُنس؛ يأمره الآن ويمتحنه بذبح ابنه إسماعيل -عليه السلام- الذي جاء بعد الكِبَر وسنوات الانتظار؛ فما كان منه -عليه السلام- إلا أن امتثل لأمره -سبحانه-، وعرض الأمر على ابنه، وأخبره بالامتحان العظيم ليكون ذلك أهون عليهما؛ فما كان من إسماعيل -عليه السلام- إلا أن شدّ من أزر والده، وأمره باتباع وحي الله -تعالى-، ولن يكون منه بعد كل ذلك إلا الصبر والاحتساب.^[٢]

الامتثال لأمر الله تعالى

امثتل إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام- لأمر الله -تعالى-؛ وأضجع إبراهيم ابنه إسماعيل؛ فقيل إنّه أراد أن يذبحه من جهة الخلف لئلا يشاهده وهو يُذبح، وقيل جعله كما توضع الذبائح؛ حيث ألصقه بالأرض وجعل طرف جبينه عليها، ثم كبّر سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وسمّى، وتشهّد إسماعيل استعداداً للموت والذبح، ثم وضع سيدنا إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل -عليهما السلام-، ومرّرها على رقبته؛ لكنّها لم تقطع شيئاً؛ إذ جعل الله بينها وبين عنق إسماعيل حائلاً ومانعاً.^[٣]

ثم أوحى الله -تعالى- لنبيه إبراهيم -عليه السلام- أنّه قد صدّق الرؤيا، وحصل المقصود من اختباره وامتحانه بذبح ابنه، وأنزل -سبحانه- فداءً لإسماعيل -عليه السلام- كبشاً أبيضَ أقرناً، قيل إنّه رعى في الجنة حتى سمن وكثر لحمه، فذبحه إبراهيم -عليه السلام- في المقام وقيل في منى، وتقبل الله -تعالى- منه هذا الذبح والفداء.^[٣]

قصة الذبح في القرآن الكريم

ذكر الله -سبحانه- قصّة ذبح إسماعيل -عليه السلام- في سورة الصافات؛ حيث قال -سبحانه- فيها: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).^[٤][٥]

الذبيح إسماعيل عليه السلام

تعددت أقوال العلماء في حقيقة الذبيح بين إسماعيل وإسحاق -عليهما السلام-، وقد رجّح عدد من أهل العلم على أنّ الذبيح هو إسماعيل -عليه السلام-، وقد ساقوا الأدلة المؤيدة لذلك على النحو الآتي:^[٦]

• إنّ القول بأنّ الذبيح هو إسحاق -عليه السلام- منقول عن بعض أهل الكتاب؛ وهو قول باطل بنصّ القرآن الكريم والمرويات الصحيحة عند أهل الكتاب؛ لأنّ الثابت عندهم أنّ إبراهيم -عليه السلام- أُمر بذبح بِكْره، والذي هو إسماعيل -عليه السلام-.
• أنّ البشرى بإسحاق تبعها البشرى بيعقوب -عليهما السلام-؛ حيث قال -تعالى-: (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)،^[٧] فاستنكر بعض العلماء -كابن تيمية- أن تأتي البشرى لزوجة إبراهيم بعد الكِبَر في السن بالولد والحفيد، ثم يكون بعدها الأمر بالذبح.
• أنّ عطف البشارة بإسحاق على البشارة بإسماعيل -عليهما السلام-؛ تدل على أن الذبيح هو إسماعيل -عليه السلام-؛ حيث قال -تعالى-: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ* وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ۚ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ).^[٨]
• أنّ الله -تعالى- ذكر في بشارة إسماعيل -عليه السلام- أنّه غلام حليم، بينما ذكر في بشارة إسحاق -عليه السلام- أنّه غلام عليم؛ فوصف الحلم يتوافق مع الذبح، بالإضافة إلى أنّ آيات متعددة وصفت إسماعيل بالصبر؛ فيكون إسماعيل -عليه السلام- هو الذبيح.