نبي الله أيوب عليه السلام

تعدّدت أقوال أهل السير والتراجم في نسب أيوب -عليه السلام-؛ فمنهم من قال هو: "بن رازح بن آموص بن ليفزر بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل"، وقيل: "أيوب بن آموص بن رازح بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم"، وغير ذلك من الأقوال؛ لكنّ المتفق عليه أنّ نسب أيوب -عليه السلام- يعود إلى العيص بن إسحاق بن النبي إبراهيم -عليهم السلام جميعاً-.[١]


وكان أيوب -عليه السلام- يسكن في الشام في إحدى قرى دمشق، وزوجته امرأة تدعى ليا بنت يعقوب، وقيل: رحمة بنت أفراثيم أو أفرائيم، وقد رزقه الله -سبحانه- بالعديد من الأولاد، كما أكرمه بالكثير من الأموال والزروع والثمار، ثم ابتلاه الله -سبحانه- فيما أعطاه -كما سيأتي ذكره-، ولا يخفى أنّ دين أيوب -عليه السلام- كان يقوم على التوحيد، والإصلاح بين الناس.[١]


قصة أيوب عليه السلام

ابتلاء أيوب عليه السلام ومرضه

لقد ورد ذكر قصة أيوب -عليه السلام- في سورتي الأنبياء وص؛ حيث قال -تعالى- في سورة الأنبياء: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)،[٢] وأمّا في سورة ص؛ فقد قال -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ).[٣][٤]


حيث ذكرت المصادر الموثوقة أنّ الله -سبحانه- ابتلى عبده ونبيّه أيوب -عليه السلام- بماله وأولاده؛ ثم ابتلاه في جسده بمرض أتعبه وأصابه منه الضرّ والبأس؛ ولم يبقَ له من يخدمه إلا زوجته وأخوان له يزورانه، ومع ذلك كان -عليه السلام- صابراً حامداً، ذاكراً مُحتسباً، حتى زالت الغُمّة، وأبدّله الله -تعالى- بأفضل مما كان عنده.[٥]


وينبغي التنبيه إلى أنّ قصة مرض أيوب -عليه السلام- قد تعددت فيها الرّوايات؛ حتى جانبت الصحّة، وتعدّى بعضها على مقام الأنبياء عليهم السلام؛ إذ إنّ الله -تعالى- قد عصم أنبيائه ممّا يمنعهم عن مهمّة الدعوة والتبليغ، في الوقت ذاته أجاز في حقّهم الأمراض العاديّة كباقي البشر.[٦]


إضافة إلى أنّ حقيقة مرض أيوب -عليه السلام- لم يثبت بها إلا ما ذكرناه من الآيات القرآنية السابقة، مع ما ثبت في السنّة النبوية من مدّة هذا المرض وهذا الابتلاء؛ حيث صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ أيُّوبَ نَبيَّ اللهِ لبِثَ به بَلاؤُه خَمسَ عَشْرةَ سَنةً)، وفي رواية: (ثمانيَ عَشْرةَ سَنةً).[٧][٦]


شفاء أيوب عليه السلام

لقد استجاب الله -سبحانه- دعاء أيوب -عليه السلام-؛ فأمره -سبحانه- أن يركض برجله ليُفجر عيناً عذبة من الماء، ويغتسل فيها، ثم ركض ركضة أخرى فانفجر عين ماء باردة شرب منها؛ وَبَرِأَ ممّا كان به من المرض، كما أبدله -سبحانه- بأحسن مما كان عنده من الأنعام والأموال والأولاد.[٨]


عبر ودروس من قصة أيوب عليه السلام

إنّ المتأمل في قصة أيوب -عليه السلام-؛ يجد في ثناياها الكثير من الدروس والعبر المستفادة، وتالياً ذكر أبرز هذه الدروس:[٩]

  • الأنبياء أشدّ الناس ابتلاءً؛ حيث صحّ أنّ سعد بن أبي وقاص سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أشد الناس ابتلاءً؛ فقال: (الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ).[١٠]
  • الرّضا عن أفعال الله -سبحانه- والصبر على البلاء.
  • أهمية الدعاء في كشف الغمّ والحزن.
  • الأخذ بالأسباب المشروعة للتداوي والعلاج.

المراجع

  1. ^ أ ب أبو القاسم ابن عساكر، تاريخ دمشق، صفحة 58، جزء 10. بتصرّف.
  2. سورة الأنبياء، آية:83-84
  3. سورة ص، آية:41- 42
  4. محمد الخضر حسين ، موسوعة الأعمال الكاملة، صفحة 181-182، جزء 1. بتصرّف.
  5. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 362، جزء 1. بتصرّف.
  6. ^ أ ب [جامعة المدينة العالمية]، الدخيل في التفسير، صفحة 60-62. بتصرّف.
  7. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4166، صحيح.
  8. مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور، صفحة 124، جزء 19. بتصرّف.
  9. [أحمد أحمد غلوش]، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 247-251. بتصرّف.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:2398، صحيح.