شجرة الخروب وسيدنا سليمان

روى عدد من أهل التفسير عن أهل الحديث؛ أنّ عصا سليمان -عليه السلام- المقصودة في قوله -تعالى-: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)،[١] كانت من شجرة الخروب.[٢]


إذ إنّ سيدنا سليمان -عليه السلام- كان لمّا يصلي تنبت بين يديه شجرة؛ فيسألها عن اسمها وعن نفعها؛ فإن كانت للغرس غُرست، وإن كانت للدواء أُخذت، وبينما هو يصلي ذات يوم رأى شجرة بين يديه فسألها عن اسمها؛ فقالت: (الخَرُّوبُ، وفي رواية: الْخَرْنُوبُ)، فسألها -عليه السلام-: (لِأَيِّ شيءٍ أنْتِ؟) قالت: (لِخَرَابِ هذا البيتِ)، وهنا دعا سليمان -عليه السلام-: (اللهمَّ عَمِّ على الجِنِّ مَوْتِي حتى يَعْلَمَ الإنسانُ أنَّ الجِنَّ لا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ)،[٣] ثم نحت هذه الشجرة عصاً واتكأ عليها مدة طويلة، فلم تعلم الجنّ بموته -عليه السلام- إلا لمّا أكلت دودة الأرض هذه العصا.[٤]


وفي رواية أخرى أنّ هذه شجرة الخروب هذه قالت لسليمان -عليه السلام- أنّها جاءت لخراب هذا المسجد -تقصد بيت المقدس-؛ فأخبرها سيدنا سليمان أنّ الله -تعالى- ما كان ليخربه وهو حيّ، وأنّ هلاكه -عليه السلام- وخراب بيت المقدس سيكون على وجهها؛ ثم نزعها وغرسها في الجدار، واتكأ على عصاه وقام يصلي في المحراب حتى مات -عليه السلام-، ولم تعلم الجنّ بذلك؛ فظلّوا يعملون خوفاً من العقاب حتى أكلت الدودة العصا، وهنا علمت الجنّ بموته؛ فكانوا يشكرون الأرضة ويأتونها بالماء لأنّها أظهرت لهم حقيقة موته -عليه السلام-.[٣][٤]


ما مدى صحة هذه القصة؟

حكم عدد من أهل الحديث من المتقدمين والمتأخرين على هذه القصة؛ فمنهم من صحح إسنادها كالحاكم والذهبي، ومنهم من رفع الإسناد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لكنّهم رأوا في صحّتها نظر كابن كثير، ومنهم من رأى أنّ الحديث موقوف ضعيف؛ لأنّ فيه عطاء بن السائب؛ حيث اختلط في آخر عمره، ومنهم من رأى أنّ إسنادها جيد ورواته من رجال الصحيح؛ فكان الحكم عليها بالصّحة أرجح.[٥]


موت سليمان عليه السلام

كانت سيدنا سليمان -عليه السلام- يعتاد الدخول إلى بيت المقدس مدّة من الزمن للصلاة فيه؛ قيل السنة والسنتين، والشهر والشهرين، وكان يدخل طعامه وشرابه معه،[٦] وكانت الجنّ تجتمع حول محراب سليمان -عليه السلام-، كما تذكر الروايات أنّ الجنّ كانت تحترق عند استراقها النظر إلى سليمان -عليه السلام-، وفي آخر مرة كان موته في المحراب الذي يتعبد فيه.[٧]


إذ حاولت الجنّ الدخول من أحد جوانب المحراب والخروج من جانبه الآخر، فلمّا لم يتبين لهم سماع صوت سيدنا سليمان -عليه السلام-، حاولوا الدخول فلم يحترقوا، هنا علموا بموته -عليه السلام-؛ فدخلوا عليه ووجدوا أنّ دودة الأرضَة قد أكلت عصاه، فأخذوا يحسبون مدّة أكلها للعصا حتى أدركوا أنّه مات من سنة، وهنا علمت الإنس أنّ الجنّ يكذبون في ادّعائهم الغيب؛ إذ لو كانوا كذلك لعلموا بموت سليمان -عليه السلام- قبل أن تُأكل العصا.[٧]



مواضيع أخرى:

قصص النبي سليمان ومعجزاته

نبي الله سليمان

المراجع

  1. سورة سبأ، آية:14
  2. رواه البزار، في البحر الزخار، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:5060، الأقرب أن يكون موقوفا.
  3. ^ أ ب رواه الحاكم، في المستدرك، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:7428، صحيح غريب.
  4. ^ أ ب ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 502، جزء 6.
  5. ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، صفحة 167-168، جزء 14. بتصرّف.
  6. النويري شهاب الدين، نهاية الأرب في فنون الأدب، صفحة 138، جزء 14. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 353-354، جزء 2. بتصرّف.