التعريف بنبي الله سليمان عليه السلام

هو سليمان بن نبي الله داود، يعود نسبه إلى نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، تربى في بيت النبوّة، وكان صاحب رأيٍ وحكمٍ، فكان مستشار والده في المُلك والقضاء بين الناس وفي تنظيم شؤون الدولة، وقد خصّه الله -تعالى- من بين إخوته بوراثة النبوّة والمُلك والحُكم بعد وفاة والده، قال -تعالى-: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)،[١] والأنبياء لا يورثون درهماً ولا ديناراً وإنّما ميراثهم النبوّة، كان نبياً إلى بني إسرائيل، وقد ازدهرت مملكة بني إسرائيل في زمنه، وله العديد من المواقف والقصص ذكر بعضها في المقال.[٢][٣]


صفات نبي الله سليمان ومعجزاته

ذكر القرآن الكريم العديد من النِّعم والمعجزات التي وهبها الله -تعالى- لسليمان، فيما يأتي بيان بعضٍ منها:[٤]


ذكاء سليمان

كان سليمان -عليه السلام- نبيهاً راجح العقل، صاحب فِراسةٍ في القضاء، وقد تبيّن ذلك في استشارة والده له والقضاء بحكمه، قال تعالى: (وَداوودَ وَسُلَيمانَ إِذ يَحكُمانِ فِي الحَرثِ إِذ نَفَشَت فيهِ غَنَمُ القَومِ وَكُنّا لِحُكمِهِم شاهِدينَ*فَفَهَّمناها سُلَيمانَ وَكُلًّا آتَينا حُكمًا وَعِلمًا).[٥][٤]


فهم سليمان للغة الطير

منح الله -تعالى- نبيّه سليمان القدرة على فهم لغة الطير وكلامهم، وقد علّمه الله -تعالى- ذلك: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).[٦][٤]


جريان الريح بأمر سليمان

كان سليمان -عليه الصلاة والسلام- يوجّه الرِيح حيث شاء، وعلى الكيفية التي يريدها، قال -تعالى-: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ).[٧][٤]


تربية الخيول

كان سليمان -عليه السلام- يحبّ تربية للخيول، وهي الصافنات الجياد التي يُعقد في ناصيتها للجهاد والقتال، قال -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ*إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ*فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ*رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ).[٨][٤]


استخدام النحاس المذاب في النحاس

أنعم الله -تعالى- على نبيّه سليمان بتسخير النحاس المذاب له باستخدامه في الأبنية العظيمة الضخمة المشيّدة من الحجارة الضخمة، قال -تعالى-: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)،[٩] فعين القطر يُراد بها عيناً من النحاس المُذاب.[٤]


تسخير الجن بين يدي سليمان

سخّر الله -تعالى- الجنّ بين يدي نبيّه سليمان، فقد كان الجنّ تحت أمره وطاعته كما الرياح، يعملون له ما يشاء من الأبنية والتماثيل، قال -تعالى-: (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ).[٩][٤]


قصة نبي الله سليمان مع الهدهد

كان لسليمان -عليه السلام- جنوداً من الطير، وكان هناك من كلّ صنفٍ منهم موكلون يقومون بما يطلب منهم سليمان، وكان لكلٍّ منهم وظيفةً معينةً، وكانت وظيفة الهدهد أن يفتش عن الماء؛ لقدرته على معرفة مواطن الماء في الأرض، فيحفرون في المكان الذي يُشير إليه الهدهد ويستخرجون الماء منه ويستعملونه في حاجاتهم، فلّما طلبه سليمان لم يجده، قال الله -تعالى- على لسان سليمان: (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)،[١٠] فأخذ يتساءل سليمان عن الهدهد، وقد توعّده بالعذاب الشديد أو الذبح إلّا إن جاء بحُجّةٍ بالغةٍ، وبعد غيبةٍ يسيرةٍ قَدِمَ الهدهد ومعه خبرٌ صادقٌ عن قوم سبأ لم يعلمه سيدنا سليمان، فأخبر عن حلبهم وعبادتهم للشمس، قال -تعالى-: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ*إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ*وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)،[١١][١٢] ثمّ أرسل سليمان -عليه السلام- كتاباً إلى ملكة سبأ ليعلم صدق الهدهد من كذبه.[١٣]


قصة نبي الله سليمان مع ملكة سبأ

أرسل سليمان -عليه السلام- مع الهدهد كتاباً مختوماً بختمه إلى ملكة سبأ يدعوها إلى عبادة الله -تعالى- وعدم الاستكبار على دعوته وطاعته، وأن يأتوه خاضعين لعبادة الله -تعالى- تحت مُلكه وحكمه، فألقى إليها الكتاب، ثمّ جمعت وزراءها ومستشاريها لتستشيرهم في الأمر، فقرأته عليهم وهم يستمعون فكان قولهم أنّهم أصحاب قوةٍ ومنعةٍ وقدرةٍ على القتال والمواجهة، وجعلوا الأمر إليها إن أرادت ذلك، فكان قرارها أن تُرسل إليه بهديةٍ لتختبره، لعلمها بأنّه صاحب قوةٍ لا يقف أحد في وجهه ولا يُغالب ولا يُخادع، فما إن جاء رسولها إلى سليمان بالهدايا العظيمة والثمينة حتى ردّه، فما أنعم الله عليه من المُلك والمال الذي يتفاخرون به أعظم ممّا عندهم، وجهّز جيشه وعزم أمره على أن يذهب بجنوده الذين لا يستطيعون نِزالهم ولا ردّهم، وأن يخرجهم من مملكتهم وهم أذلةٌ.[١٤]


وحينما بلغهم ذلك ما كان منهم إلّا الاستسلام وطاعة سليمان وتجهيز أنفسهم للذهاب إلى مملكته، وحينما عَلِم سليمان بقدوم قوم سبأ مع ملكتهم إليه، سأل جنوده من يستطيع منهم أن يأتي بعرشها، فبادر عفريتٌ من الجنّ وعَرَضَ على سليمان أن يأتي بعرشها قبل أن يقوم من مجلسه الذي يجلس فيه للحكم والقضاء بين الناس، وعرض عليه آخرٌ أن يأتي بعرشها في طرفة عينٍ، فلما أصبح عرشها مستقراً عنده، شكر ربه -تعالى- وأرجع الفضل إليه، قال -تعالى-: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ*قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ*قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).[١٥][١٦]


أمر سليمان جنوده أن يغيّروا هيئة عرشها وحُلّيه، ليختبر رجاحة عقلها وفهمها وفطنتها، فلما أن جاءت قيل لها: (أهكذا عرشك؟)، قالت: (كأنّه هو)، فلم تَجِب إجابةً واضحةً؛ لأنّها تستبعد أن أحداً يقدر على فعل ذلك الأمر الغريب، ثمّ قيل لها: ادخلي القصر، فلمّا دخلته رفعت ثوبها عن ساقيها خوفاً من الماء، ولم تعلم أنه مبنيٌ من الزجاج وأن الماء تحته لا يصل إلى الأقدام، فلمّا رأت ذلك النعيم والمُلك، خضعت وأسلمت لله تعالى، قال -عزّ وجلّ-: (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ*فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَـكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ*وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ*قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).[١٧][١٦]


قصة حكم داود وسليمان في الحرث

يروى أنّ هناك رَجلُين أحدهما له غنمٌ والآخر له حرثٌ، فانفلتت الغنم على الحرث فأكلته وأهلكته، فجاء الرجلان إلى داود -عليه السلام- ليقضي بينهما، فقضى بأن يُعطى الغنم إلى صاحب الحرث، ثمّ مرّا على سليمان وأخبراه بحكم والده، فأخبرهم بأنّ له حكماً آخراً في ذلك، فعلم داود بقول سليمان لهما، فاستدعاه واستحلفه بأن يخبره حكمه، فحكم بإعطاء صاحب الحرث الغنم ليستقي من لبنها وينتفع بصوفها، وإعطاء صاحب الغنم الحرث يزرعه ويُعيده كما كان، ثمّ يُردّ كلٌّ إلى صاحبه، فكان القضاء بحكم سليمان، وأقرّ داود قضاءه.[١٨]


قصة نبي الله سليمان مع النملة

جمع سليمان جيشه من كلّ مكانٍ وانطلق به، حتى إذا اقترب من وادٍ للنمل، تنبّهت نملةٌ منهم وصاحت على النمل بأن يدخلوا إلى بيوتهم؛ خوفاً من أن يدهسهم سليمان وجنوده دون قصدٍ منهم، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)،[١٩] وقد كان سليمان يعرف لغة النمل ويفهم كلامهم ولم يكن منه أن يؤذيهم عمداً، فسَِمع ما قالت فتبسّم وضحك من قولها، ثمّ شكر ربّه على فضله ونعمه، قال تعالى: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).[٢٠][٢١]


وفاة نبي الله سليمان

قبض الله -تعالى- سليمان -عليه السلام- وكان يصلّي متكئاً على عصا، واستمرّت الجنّ بالعمل له خوفاً من العذاب، فما عَلِم أحدٌ بموته إلّا حينما أكلت دودة الأرضة العصا التي وقف عليها وسقط، قال -تعالى-: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).[٢٢][٢٣]


المراجع

  1. سورة النمل، آية:16
  2. ابن كثير ، كتاب قصص الأنبياء، صفحة 284. بتصرّف.
  3. أحمد أحمد غلوش، كتاب دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 419. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ وهبة الزحيلي ، التفسير المنير للزحيلي، صفحة 309-311. بتصرّف.
  5. سورة الأنبياء، آية:79-78
  6. سورة النمل ، آية:16
  7. سورة ص، آية:36
  8. سورة ص، آية:30-33
  9. ^ أ ب سورة سبأ، آية:12
  10. سورة النمل، آية:21-22
  11. سورة النمل، آية:22-24
  12. الدِّيار بَكْري، كتاب تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، صفحة 246. بتصرّف.
  13. سورة النمل، آية:38-40
  14. ^ أ ب ابن كثير ، كتاب قصص الأنبياء، صفحة 296 -297. بتصرّف.
  15. سورة النمل، آية:41-44
  16. محمود صافي، كتاب الجدول في إعراب القرآن، صفحة 58. بتصرّف.
  17. سورة النمل، آية:18
  18. سورة النمل، آية:19
  19. الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 10759. بتصرّف.
  20. سورة سبأ، آية:14
  21. ابن كثير، كتاب قصص الأنبياء، صفحة 311-314. بتصرّف.