أرسل الله -سبحانه- الرسل والأنبياء بدعوة التوحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأمر الناس باتّباعهم وطاعتهم؛ لأنّهم مبلّغون عن الله -عزّ وجلّ-، وقد أرسل الله -تعالى- صالح -عليه السلام- إلى قومٍ من العرب يُطلق عليهم ثمود، وقد اتخذوا من منطقة الحِجْر سكناً لهم، فآمن من قومه مَن آمن ونجى وأفلحَ وفاز وخسر مَنْ خسر ونال من الله العقاب، وقد كانت دعوة كلّ رسولٍ من الرُسل واضحةً كما قال -تعالى-: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ).[١][٢]


قوم صالح عليه السلام

قوم صالح -عليه السلام- من العرب العاربة، سكنوا منطقة الحجِر وهم من قبيلة ثمود وقد كانت هذه القبيلة تتمتع بميزاتٍ عديدةٍ شملت جميع مناحي الحياة، يُذكر منها:[٣]

  • الجانب الزراعي: تميّز قوم ثمود بالحضارة الزراعية، فانتشرت في أرضهم الينابيع والزروع المثمرة المختلفة، ولعلّ أبرزها النخيل ذو الثمر الوافر والمزايا الطيبة.
  • الجانب العمراني: كانت مساكن ثمود قويةً متينةً منحوتةً في الجبال التي اتخذوها مسكناً لهم؛ ففي الصيف كانوا يتّخذون من أعالي الجبال مسكناً هروباً من حرّ الصيف، وفي الشتاء كانوا ينحتون بواطنها سكناً لهم هروباً من برد الشتاء.
  • الجانب العقلي: كان قومَ صالح -عليه السلام- أصحاب عقولٍ مميزةٍ، فقد كانوا يُحسنون النظر والتدبّر، بل كانوا متمكّنين من ذلك، وقد قال عنهم -عزّ وجلّ-: (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ).[٤]


دعوة صالح عليه السلام لقومه

كانت مضامين دعوة صالح -عليه السلام- لقومه قائمةً على عبادة الله وتوحيده وعدم الشِرك به، مذكّراً إيّاهم بأنّ الله -سبحانه- قد استخلفهم في الأرض بعد قومِ عاد فعليهم أن يشكروا نعمة الله الظاهرة والباطنة، ويعمروا الأرض بعبادته، وقد تحدّى القوم صالحاً -عليه السلام- وطلبوا منه أن يخرج لهم ناقةً من الصخر، فأخذ منهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بالله ويوحّدوه إن تحقّق طلبهم.[٥]


معجزة النبي صالح لقومه

تجلّت معجزة الناقة التي أخرجها الله لقوم صالح -عليه السلام- بعدّة مظاهر ووجوهٍ هي:[٦]

  • أُطلق عليها ناقة الله كما أخبر عن ذلك -سبحانه- في سورة الأعراف بقوله: (ناقَةُ اللَّـهِ لَكُم آيَةً)،[٧] وما ذلك إلّا تشريفاً وتكريماً لها.
  • خرجت الناقة من الصخر دون حملٍ ودون وجود ذكرٍ أو أنثى.
  • كانت تشرب نفس المقدار من الماء الذي يشربه قوم صالح -عليه السلام-.


تكذيب قوم صالح لنبيهم

بدأ كبار القوم يسخرون من الضعفاء الذين آمنوا بدعوة صالح -عليه السلام-، ويكذّبون دعوته، ويشكّكون فيها وقد كان مقالهم للضعفاء بصحّة اعتقادهم لصالح -عليه السلام-، وكان ردُّ تلك الثُلة المؤمنة بأنّها مؤمنةٌ بما أرسل الله به صالحاً، وكان ردُّ أهل الزيغ والضلال بأنّهم يكفرون بما آمنوا به؛ أي بما جاء به صالح -عليه السلام- من ربّه.[٥]


عناد قوم صالح وعقر الناقة

أصرّ كبار قوم ثمود المستكبرين على قولهم وتكذيبهم للمؤمنين ولصالح -عليه السلام- وأرادوا جعل القوم إلى جانبهم؛ ليُبطلوا دعوة صالح حسب ظنّهم بقتل الناقة والقضاء عليها والتخلص منها، ليُظهروا استخفافهم بدعوته وتجبّرهم على الحقّ وعلى الدعوة الصادقة، ومن شدّة تماديهم أن تحدوّا صالحاً أن يأتيهم بعذابٍ من عند الله، فجاءهم العقاب من عنده -سبحانه-.[٨]


وقد سطرت آيات القرآن الكريم تجبرهم وعنادهم في قوله -عز وجل-: (وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم هـذِهِ ناقَةُ اللَّـهِ لَكُم آيَةً فَذَروها تَأكُل في أَرضِ اللَّـهِ وَلا تَمَسّوها بِسوءٍ فَيَأخُذَكُم عَذابٌ أَليمٌ*وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ وَبَوَّأَكُم فِي الأَرضِ تَتَّخِذونَ مِن سُهولِها قُصورًا وَتَنحِتونَ الجِبالَ بُيوتًا فَاذكُروا آلاءَ اللَّـهِ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ*قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لِلَّذينَ استُضعِفوا لِمَن آمَنَ مِنهُم أَتَعلَمونَ أَنَّ صالِحًا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ قالوا إِنّا بِما أُرسِلَ بِهِ مُؤمِنونَ*قالَ الَّذينَ استَكبَروا إِنّا بِالَّذي آمَنتُم بِهِ كافِرونَ*فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَعَتَوا عَن أَمرِ رَبِّهِم وَقالوا يا صالِحُ ائتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ المُرسَلينَ*فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ).[٩][٨]


عقوبة قوم صالح عليه السلام

كفر قومُ ثمود بمعجزة صالح -عليه السلام- وعاندوا نبيّهم وقتلوا الناقة التي نُهوا عن قتلها، فجاء الأمر الإلهي باستحقاقهم للعقوبة، فأخبرهم صالح -عليه السلام- أنَّ عذاب الله آتيهم لا محالة بعد ثلاثة أيام، فكذبوه وأرادوا قتله ظناً منهم بأنّ العقاب لن يحلَّ عليهم، قال -تعالى-: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ*قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّـهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)،[١٠] وبعدَ مُضي الثلاثة أيام التي كان قد قطع وعدها عليهم جاءت العقوبة من عند الله -تعالى-، وتمثّلت بالصيحة التي أتتهم بغتةً فماتوا على حالهم جميعاً، وأصبحوا جاثمين في ديارهم لا حِراك لهم، قال -سبحانه-: (وَأَخَذَ الَّذينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحوا في دِيارِهِم جاثِمينَ*كَأَن لَم يَغنَوا فيها أَلا إِنَّ ثَمودَ كَفَروا رَبَّهُم أَلا بُعدًا لِثَمودَ).[١١][١٢][١٢]


الدروس والعبر المستفادة من قصة قوم صالح

ما جاء نبيٌ بما جاء به صالح -عليه السلام- من دعوة الحقّ وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عباد رب العباد إلا لَقِيَ من صنوف الرفض والعناد والتكذيب ما لقي، ودلّت دعوته على عدّة دروسٍ وعبرٍ يُذكرُ بعضاً منها آتياً:[٢]

  • أهميّة تنوّع أساليب الداعي إلى الله من الترغيب والترهيب والنُصح وطرح الأمثلة والتدرّج، والحرصَ على ألّا ينال منه اليأسُ والتعب في تحقيق مراد الله في دعوته.
  • العاقل مَن اتعظ بغيره لا بنفسه، فكان أولى على قوم صالح -عليه السلام-أن يتّعظوا بحال من قبلهم ممّن أهلكهم الله لكفرهم وصدّهم عن دعوة الحقّ.
  • الله ينصرُ الثُلة المؤمنة وإن كانت قليلةً إن جعلت الإيمان ملازماً لقلبها وطريقاً لحياتها، فطالما تمكّن الإيمان قويت النفوس والأجساد.
  • شكر الله -سبحانه- على نِعمه لئلا تتحوّل إلى نقمٍ تعود بالضرر والسوء والعقوبة.


أسباب هلاك الأمم السابقة ووقوع العقوبة عليها

لا بُدَّ على كلّ عاقلٍ فَطِنٍ أن يعلمَ أنّ الله -سبحانه- لا يعذّبُ قوماً ولا ينزل عليهم أصنافاً من العذاب والهلاك إلّا لسببٍ ارتكبوه أو لأمرٍ اقترفوه، لذلك اقتضى ذكُر أسباب عقوبة الأمم السابقة على سبيل الإجمال والاختصار:[١٣]

  • الشرك بالله: قال -سبحانه-: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّـهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[١٤]
  • التجبّر في الخَلق وهضم حقوقهم: عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إن الله لَيُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته).[١٥]
  • التقصير بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: (وَاتَّقوا فِتنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ ظَلَموا مِنكُم خاصَّةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّـهَ شَديدُ العِقابِ).[١٦]
  • الكُفر بالنِّعم وعدم شكر الله عليها: قال تعالى: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ).[١٧]


المراجع

  1. سورة المؤمنون، آية:32
  2. ^ أ ب إسلام ويب (30/9/2016)، "قصة النبي صالح عليه السلام في القرآن"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 4/9/2021. بتصرّف.
  3. أحمد أحمد غلوش، كتاب دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 94. بتصرّف.
  4. سورة العنكبوت، آية:38
  5. ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 143. بتصرّف.
  6. محمد الأمين الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، صفحة 396. بتصرّف.
  7. سورة الأعراف، آية:73
  8. ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 143-144. بتصرّف.
  9. سورة سورة الأعراف، آية:73-78
  10. سورة سورة النمل ، آية:48-50
  11. سورة هود، آية:67-68
  12. ^ أ ب ابن كثير، كتاب البداية والنهاية ط إحياء التراث، صفحة 155-160. بتصرّف.
  13. د. منقذ بن محمود السقار، "الاعتبار بمصارع الأمم"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 5/9/2021. بتصرّف.
  14. سورة سورة آل عمران، آية:11
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:4686 ، صحيح.
  16. سورة الأنفال، آية:25
  17. سورة إبراهيم، آية:7