بعثة يونس عليه السلام إلى قومه

أرسل الله -تعالى- نبيّه يونس -عليه السلام إلى أهل نينوى، وهم الآشوريون في العراق، وكانوا قد أسّسوا حضارةً عريقة عُرِفوا بها، أمّا مكانهم فكان حول نهر دجلة، وقد عبدوا العديد من الأصنام، وسمّوها بأسماء مدائنهم، وأفسدوا في الأرض، وظلموا عباد الله، فجاءهم يونس -عليه السلام-، ودعاهم إلى عبادة الله -تعالى- وحده، وترك عبادة الأصنام، والتوقّف عن الفساد والظلم وأكل حقوق الناس، وأيّده الله -تعالى- بالمعجزات التي تدلّ على صدق نبوّته ورسالته.[١]


إنذار يونس لقومه بعد رفضهم للدعوة

بعد أن دعا يونس -عليه السلام- قومه ما كان منهم إلا أن رفضوا دعوته، وأصرّوا على عبادتهم للأصنام وعلى إفسادهم في الأرض، فظلّ يدعوهم مراراً وتكراراً، ولكنّهم بقوا على عِنادهم، ولمّا يَئس من استجابتهم غضب منهم، وأنذرهم بعذاب الله -تعالى-، وأخبرهم أنّ الهلاك سيحلّ عليهم بسبب إصرارهم وعِنادهم،[٢] ثمّ تركهم وخرج غاضباً من بين أظهرهم، وكان لا يشكّ بإنزال العذاب عليهم بسبب جحودهم واستكبارهم عن الإيمان بالله.[٣]


وقد ركب يونس -عليه السلام- السفينة مغادراً ذلك المكان، ولكنّ السفينة بعد وقتٍ اضطربت وثقلت بما فيها، وكاد الركّاب يغرقون، فاقترحوا الاقتراع ونزول أحدهم في البحر حتّى يخفّفوا من حِمل السفينة، وكانت القرعة تخرج في كلّ مرّة على يونس -عليه السلام-، فألقى نفسه في البحر، -قال -تعالى-: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ).[٤][٥]


وهنا التقم الحوت يونس -عليه السلام-، وكأنّ في ذلك ملامةً له، إذْ ترك قومه وأنذرهم بالعذاب قبل أن يأذن الله -تعالى- له بذلك، وظلّ -عليه السلام- يُسبّح في بطن الحوت، ويُقبل على الله بالدعاء وصدق التضرّع بين يديه، وبقي هو كذلك في عناية الله -تعالى- حتى أنجاه الله من بطن الحوت، وحال قومه أنّهم قد أنابوا ورجعوا إلى الله على تفصيلٍ سنذكره في المبحث التالي.[٥]


إيمان قوم يونس عليه السلام

بعد أن ترك يونس -عليه السلام- قومه وأنذرهم بالعذاب خافوا، وأحسّوا بجدِّية وصدق كلامه ودعوته، ثم بدأت تظهر أمارات العذاب، فخرجوا من منازلهم إلى الصحراء، وفرّقوا بين الأمّهات وأبنائهم، وبين البهائم وأجنّتها، إعلاناً على شدّة حاجتهم إلى النّجاة وإلى الله -تعالى-، ثمّ ضجّوا جميعاً إلى الله -عزّ وجلّ- بالبكاء والدعاء.[٦]


وقد أظهروا التوبة إلى الله -تعالى-، وأخلصوا في ذلك، وآمنوا بالله الواحد الأحد، فما كان من الله -عزّ وجلّ- إلا أن رحمهم، وكشف عنهم العذاب، ومتّعهم في حياتهم، وقد بيّن القرآن الكريم أنّ قوم يونس -عليه السلام- آمنوا كلّهم، قال -تعالى-: (فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)،[٧] وقال: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).[٨][٩]

المراجع

  1. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 254-255. بتصرّف.
  2. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 255. بتصرّف.
  3. الجلال السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، صفحة 128، جزء 7. بتصرّف.
  4. سورة الصافات، آية:139-142
  5. ^ أ ب ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 388-390، جزء 1. بتصرّف.
  6. أبو المظفر السمعاني، تفسير السمعاني، صفحة 405، جزء 2. بتصرّف.
  7. سورة يونس، آية:98
  8. سورة الصافات، آية:147-148
  9. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 271، جزء 11. بتصرّف.