أرسل الله -عزّ وجلّ- نبيه إبراهيم -عليه السلام- إلى قومه؛ لدعوتهم إلى دين التوحيد وترك الشرك بالله، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وقد كان -عليه السلام- كسائر أنبياء الله ثابتًا على دعوة التوحيد، وحريصًا عليها،[١] قال الله تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).[٢]


عصر النبي إبراهيم عليه السلام

عاش إبراهيم -عليه السلام- في أرض بابل موطن الكلدانيين، وكان ملكهم آنذاك النمرود بن كنعان، وقد كان لهم آلهةٌ يعبدونها من دون الله عزّ وجلّ، وكان ملكهم هذا يدعي الألوهية، وأنّه يحي ويميت؛ فضمّوه لآلهتم واتّخذوه إلهًا، فتركهم إبراهيم -عليه السلام- وهاجر من موطنه هو ومن آمن بدعوته، وهم: زوجته سارة وابن أخيه لوط عليه السلام، واتخذ من أرض الكنعانيين بحران مسكنًا جديدًا له، ووجد القوم في هذه المنطقة يعبدون الكواكب ويقدسونها، واستمر إبراهيم -عليه السلام- في هذه المنطقة إلى أن نزل بها القحط؛ فانتقل هو وزوجته إلى مصر وكانت القرية التي نزل بها يحكمها أحد الجبابرة، ولم يطل مكثه هناك، فعاد بعدها إلى منطقة قريبة من بيت المقدس وتنقل بين قراها هناك.[٣]


دعوة إبراهيم عليه السلام

دعوة إبراهيم لأبيه

كان والد إبراهيم يصنع الأصنام ويعبدها، وقد خاطب إبراهيم أباه ودعاه بأرقى الأساليب وألطفها، ويلين له القول فيناده بيا أبتِ، وسعى مرارًا أن يوضح له حقيقة وأنّ الأصنام لا تضرّ ولا تنفع، وقد ذكر القرآن الكريم حوار إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه، ومن ذلك قوله تعالى: (إِذ قالَ لِأَبيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعبُدُ ما لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ وَلا يُغني عَنكَ شَيئًا* يا أَبَتِ إِنّي قَد جاءَني مِنَ العِلمِ ما لَم يَأتِكَ فَاتَّبِعني أَهدِكَ صِراطًا سَوِيًّا* يا أَبَتِ لا تَعبُدِ الشَّيطانَ إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلرَّحمـنِ عَصِيًّا* يا أَبَتِ إِنّي أَخافُ أَن يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحمـنِ فَتَكونَ لِلشَّيطانِ وَلِيًّا).[٤]


دعوة إبراهيم لقومه

دعا إبراهيم -عليه السلام- قومه مبيّنًا لهم أنّ ما يدعون من دون الله لا يملك لهم الضرَ ولا النفع وأنهم لن يقربوهم إلى الله، فأبى القوم وعاندوا واستكبروا؛ فحطّم لهم الأصنام التي يعبدونها من دون الله وأبقى كبيرها؛ ليبين لهم حقيقتها وأنّها لا تملك المدافعة عن نفسها فكيف لها أن تنفع غيرها أو تحميه؟ فقرّر القوم أن يكيدوا لأصنامهم التي حطمها إبراهيم -عليه السلام- وأن يوقعوا عليه أشد العقوبة، فألقوه في النار ليتخلصوا منه ويثأروا لها، ولكنّ الله نّجاه منها وجعل النار بردًا وسلامًا عليه.[٥]


مناظرة إبراهيم للنمرود

كان إبراهيم -عليه السلام- ينوّع في أساليبه في الدعوة وفي نقاش الكفار؛ فقد لجأ إلى أسلوب المناظرة مع ملك بابل وهو النمرود، وبسطت آيات سورة البقرة هذه المناظرة في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)،[٦] وقد استدل النبي إبراهيم -عليه السلام- على وجود الله من خلال المشاهدات التي حوله في الكون؛ من موتٍ وحياة، فرَدّ عليه النمرود أنّه بإمكانه أن يأتيَ برجُلَين حُكِم عليهما بالقتل؛ فيقتل أحدهما، ويعفو عن الآخر، فيكون بذلك قد أمات الأول، وأحيا الثاني، وهذا خارج عن مقام المناظرة، إلّا أنّ إبراهيم -عليه السلام- أبهت حجّة النمرود وأسكته حين ضرب له مثلًا بالشمس التي تُشرق من المشرق، وتحدّاه أن يأتيَ بها من المغرب إن استطاع، ولكنّ النمرود كان أضعف من ذلك، فبُهِت وسكت.[٧]


المراجع

  1. "نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ج (1)"، دار الفتوى المجلس الإسلامي الأعلى في استراليا، 21/5/2012، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.
  2. سورة سورة آل عمران، آية:67
  3. أحمد أحمد غلوش، كتاب دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 116-117. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية:42-45
  5. محمد بن عبدالعزيز الخضيري، "دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 8/9/2021. بتصرّف.
  6. سورة سورة البقرة، آية:258
  7. ابن كثير، كتاب قصص الأنبياء، صفحة 187-189. بتصرّف.