لماذا ابيضت عينا النبي يعقوب؟
ابيّضت عينا نبيّ الله يعقوب -عليه الصلاة والسلام- بسبب حُزنه الشديد وإفراطه في البكاء على فراق ابنه يوسف -عليه السلام-، قال -تعالى-: (وَابيَضَّت عَيناهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظيمٌ)،[١][٢] ذلك إنّ إخوة يوسف قد دبّروا أمراً للخلاص منه حسداً وحقداً باعتباره الابن الأقرب من أبيهم والأحبّ إليه، فاعتقدوا أنّ بالخلاص من يوسف يتفردون بمحبّة أبيهم، فتشاوروا فيما بينهم على طريقةٍ يظفرون بها بمحبّة أبيهم ويتخلّصوا من يوسف، فأشار أحدهم إلى قتله أو الذهاب به إلى أرضٍ بعيدةٍ وإبقائه فيها، ثمّ التوجّه إلى الله -تعالى- بالتوبة والاستغفار من ذلك الذنب، وأشارٌ آخرٌ إلى إلقاء يوسف في بئرٍ عميقةٍ بعيدةٍ، واتّفقوا على ذلك، قال -تعالى-: (اقتُلوا يوسُفَ أَوِ اطرَحوهُ أَرضًا يَخلُ لَكُم وَجهُ أَبيكُم وَتَكونوا مِن بَعدِهِ قَومًا صالِحينَ*قالَ قائِلٌ مِنهُم لا تَقتُلوا يوسُفَ وَأَلقوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ يَلتَقِطهُ بَعضُ السَّيّارَةِ إِن كُنتُم فاعِلينَ).[٣][٤][٥]
توجّه إخوة يوسف إلى أبيهم طالبين منه أخذ يوسف معهم في اليوم التالي لرعي الأغنام، فأظهر لهم يعقوب -عليه السلام- خوفه على يوسف وحزنه على فراقه، فأجابوا بحرصهم عليه، قال -تعالى-: (قالوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأمَنّا عَلى يوسُفَ وَإِنّا لَهُ لَناصِحونَ*أَرسِلهُ مَعَنا غَدًا يَرتَع وَيَلعَب وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ*قالَ إِنّي لَيَحزُنُني أَن تَذهَبوا بِهِ وَأَخافُ أَن يَأكُلَهُ الذِّئبُ وَأَنتُم عَنهُ غافِلونَ*قالوا لَئِن أَكَلَهُ الذِّئبُ وَنَحنُ عُصبَةٌ إِنّا إِذًا لَخاسِرونَ)،[٦] وبالفعل فقد سار معهم في اليوم التالي، فنفّذوا ما اتفقوا عليه، فقيّدوا يوسف وألقوه في البئر، وعادوا إلى أبيهم متظاهرين بالبكاء على يوسف ومعهم قميصه الذي لُطّخ بالدماء وقالوا له إنّ الذئب أكله، فعَلِم يعقوب -عليه السلام- أنّهم دبّروا مكيدةً وأمراً للتخلّص من يوسف، إلّا أنّه وكّل أمره لله واستعان به في تفريج مصيبته، قال -تعالى-: (فَلَمّا ذَهَبوا بِهِ وَأَجمَعوا أَن يَجعَلوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ وَأَوحَينا إِلَيهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمرِهِم هـذا وَهُم لا يَشعُرونَ*وَجاءوا أَباهُم عِشاءً يَبكونَ*قالوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبنا نَستَبِقُ وَتَرَكنا يوسُفَ عِندَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئبُ وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ*وَجاءوا عَلى قَميصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرًا فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ)،[٧] فحزن يعقوب -عليه السلام- حزناً شديداً على ابنه يعقوب وبسببه ابيّضت عيناه.[٤][٥]
هل حزن النبي يعقوب يخالف الرضا بقضاء الله وقدره؟
الحزن الذي أصاب يعقوب -عليه الصلاة والسلام- على فَقْد ابنه يوسف -عليه السلام- لا يخالف رضاه بقضاء الله وقدره، فالحزن من طبيعة البشر ولا يخالف الرضا ولا النبوّة التي كُلّف بها يعقوب -عليه السلام-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "اختلاج المصيبةِ في السر لا يُنافي الرضا باتفاق العقلاء -أي: اضطراب المصيبة في نفس الإنسان-، ولا يدخل هذا في التكليف، فضلاً عن أن يكون ذنباً، أو أن يستحق صاحبُه زوالَ نبوّته".[٨]
المراجع
- ↑ سورة يوسف، آية:84
- ↑ د. محمد السقا عيد (30/11/2014)، "ما حقيقة إصابة سيدنا يعقوب عليه السلام بالعمى؟"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:9-10
- ^ أ ب الشيخ عائض بن عبدالله القرني (25/8/2007)، "يوسف في الجب"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب "سورة يوسف - تفسير السعدي"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:11-14
- ↑ سورة يوسف، آية:15-18
- ↑ محمد صالح المنجد (13/12/2018)، "حزن يعقوب عليه السلام، هل يخالف الرضا؟"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.