مسامحة سيدنا يوسف لإخوته

عتابه لإخوته

أخبر القرآن الكريم في سورة يوسف عن موقفه -عليه السلام- من إخوته حينما كشف لهم عن حقيقته، وأظهر لهم أمره -عليه السلام-؛ فعندما عادوا إليه في زمن الجوع والقحط ليأخذوا الطعام والمُؤَن، وكان -عليه السلام- قد ضمّ إليه أخيه من قبل بالحيلة؛ بدأهم يوسف -عليه السلام- بالسؤال: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ)،[١]فكان سؤاله استفهام العارف المُتجاهل، الذي عَذر إخوته وما كان منهم لجهلهم، وكأنّه -عليه السلام- بأدبه ولطفه يتودد إليهم ويعاتبهم عتاب المُحبّ، ولا يقصد بذلك اللوم والنقاش.[٢]


عفوه وصفحه عن إخوته

وكل ما تقدم مصداق لقوله -تعالى- في مبتدأ سورة يوسف؛ حيث قال -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)،[٣] فلمّا سمعوا كلامه وأدركوا معناه أقرّوا واعترفوا بقولهم: (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ... تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ)؛[٤][٢]ومقابل هذا الإقرار والاعتراف يرّد عليهم يوسف -عليه السلام- بالتأكيد على بقاء علاقة الأخوة، وأنّ لهم العفو والصفح؛ سائلاً المولى الرحيم أنْ يغفر لهم فهو الأولى بالغفران عنهم، قال -تعالى- على لسان سيدنا يوسف: (قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).[٥][٦]


وفي رواية أخرى نُقلت عن أهل الكتاب؛ قيل فيها إنّ يوسف -عليه السلام- أمر من عنده بالخروج، واختلى بإخوته يعاتبهم وهو يبكي حتى سمعه كل من كان في المكان؛ فكان يُذّكرهم بأفعالهم الشنيعة حين رموه في البئر، وبيعه على إثر ذلك في السوق؛ ولكنّه طمأنهم بأنّه أصبح ملكاً وسيداً لمصر، يعطي القوت ويُكرم من يأتيه طالباً العون، ثم أمرهم أن يعجلوا في الذهاب إلى أبيهم، وإحضاره إليه ليراه ومن ثم يأتوه بأهلهم أجمعين؛ وقد ثبت ذلك في قوله -تعالى-: (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ).[٧][٨]


مسامحة سيدنا يعقوب لأبنائه

لمّا عاد بصر سيدنا يعقوب -عليه السلام- إليه بعدما أُلقي عليه قميص ابنه يوسف -عليه السلام-، توجّه إلى أبنائه وقال لهم: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)،[٩] وهنا طلب الأبناء من أبيهم الاستغفار والعفو بعد اعترافهم بالذنب؛[١٠] فما كان من يعقوب -عليه السلام- إلا أن قال لهم: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)،[١١] حيث قال أهل العلم إنّ سيدنا يعقوب أخّر استغفاره لأبنائه وقت السحر؛ وذلك لأنّه خرج مع البشير للسّير إلى أرض مصر نحو ابنه يوسف -عليه السلام-،[١٢] ولأنّ وقت السّحر أحرى بالإجابة، فكان ذلك من إشفاقه عليهم ورحمته بهم.[١٣]


وقد دلّ على ذلك ما ورد في السنة النبوية؛ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي بن أبي طالب -عليه السلام-: (أَفَلا أُعَلِّمُك كَلِماتٍ يَنفَعُك اللهُ بِهنَّ، ويُنفَعُ بِهنَّ مَن عَلَّمْتَه، ويَثبُتُ ما تَعلَّمْتَ في صَدْرِك!.. إذا كانَتْ لَيْلةُ الجُمُعةِ فإن اسْتَطَعْتَ أن تَقومَ في ثُلُثِ اللَّيلِ الآخِرِ فإنَّها ساعةٌ مَشْهودةٌ، والدُّعاءُ فيها مُسْتَجابٌ، وهو قَوْلُ أخي يَعْقوبَ لبَنيه "سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي").[١٤][١٥]



مواضيع أخرى:

صفات يوسف عليه السلام الأخلاقية

ماذا فعل إخوة يوسف به؟

المراجع

  1. سورة يوسف ، آية:89
  2. ^ أ ب أحمد محمود الشوابكة، غرر البيان من سورة يوسف عليه السلام في القرآن، صفحة 167-168. بتصرّف.
  3. سورة يوسف، آية:15
  4. سورة يوسف، آية:90-91
  5. سورة يوسف، آية:92
  6. أبو جعفر ابن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 330، جزء 13.
  7. سورة يوسف، آية:93
  8. برهان الدين البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، صفحة 221-222، جزء 10. بتصرّف.
  9. سورة يوسف، آية:96
  10. أبو السعود، تفسير أبي السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، صفحة 306، جزء 4. بتصرّف.
  11. سورة يوسف، آية:98
  12. الواحدي، الوجيز للواحدي، صفحة 560. بتصرّف.
  13. ياسر برهامي، دروس للشيخ ياسر برهامي، صفحة 13، جزء 56. بتصرّف.
  14. رواه الضياء المقدسي، في الأحاديث المختارة، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:151، فيه الوليد بن مسلم اتفق البخاري ومسلم على التخريج له وهو صالح الحديث.
  15. مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور، صفحة 775، جزء 11. بتصرّف.