اقتضت حكمة الله تعالى وعدله ورحمته أن يرسل رسلًا وأنبياء في كلّ أمّةٍ من الأمم، قال تعالى: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)؛[١] حتّى تقام الحجة على هذه الأمم بإرسال الرسل والأنبياء لهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)؛[٢] فبُعث في كلّ قومٍ نبيّ منهم يدعوهم إلى الإيمان بالله وتوحيده، ولم تأتي نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة إلا على ذكر عددٍ محدودٍ من الرسل والأنبياء، ومن بين المذكورين أنبياءٌ بعثهم الله تعالى إلى العرب،[٣] وفيما يلي حديثٌ عنهم.


عدد الأنبياء الذين بعثوا للعرب

أرسل الله تعالى إلى الأقوام العرب خمسةً من رسله وأنبيائه عليهم الصّلاة والسّلام؛ حيث اختصّ أربعة منهم بالبعثة لقومٍ من الأقوام العرب، وهم: هود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل عليهم السّلام، وأمّا النبي محمّد -عليه الصّلاة والسّلام- فأُرسل إلى العرب وإلى غيرهم، وبهذا يكون عدد الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى إلى العرب خمسةً،[٤] وتاليًا مزيد من التفصيل عنهم.


نبي الله هود

هو نبيّ الله هود بن شالخ وقيل هو عابر بن شالخ وقيل هود بن عبد الله، ويرجع نسبه إلى نوحٍ عليه السّلام، وقد أرسله الله تعالى إلى إحدى القبائل العربيّة، وهي: قبيلة عاد؛ قال الله تعالى: (وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ)،[٥] وعادٌ من العرب العاربة، إحدى القبائل التي سكنت جنوب الجزيرة العربية في الأحقاف، وقد أنعم الله تعالى عليهم بكثيرٍ من النعم، إلّا أنّهم طغوا وفسدوا وعبدوا الأصنام بعد قوم نوحٍ عليه السّلام، ودعاهم هود إلى ترك ما هم عليه والإيمان بالله وحده، فاستكبروا ولم يستجيبوا، فعاقبهم الله تعالى بأن أرسل عليهم ريحًا شديدةً أهلكتهم، قال تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ).[٦][٧][٨]


نبي الله صالح

هو نبي الله صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوحٍ عليه السّلام،[٩] وأرسله الله تعالى إلى قومٍ من العرب العاربة هم قوم ثمود؛ قال الله تعالى: (وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها فَاستَغفِروهُ ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي قَريبٌ مُجيبٌ)، [١٠] وكانوا يسكنون الحجر بين الحجاز والشام، وكانوا عبدةً للأصنام، فأرسل الله فيهم صالحًا عليه السّلام، فكذّبوه وطالبوه بآيةٍ على صدقه؛ فأخرج لهم ناقةً من الصخر وأمرهم ألّا يمسّوها بسوءٍ، فذبحوها، فأرسل الله عليهم صيحةً شديدةً هلكوا على إثرها.[١١]


نبي الله شعيب

شعيب -عليه السّلام- من الأنبياء العرب، أرسله الله تعالى إلى قومٍ من العرب العاربة هم قوم مدين، قال الله تعالى: (وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ)،[١٢] وعُرف مدين علاوةً على عبادتهم للأصنام بعدم إيفائهم بالميزان وببخسهم للحقوق، ودعاهم شعيب لترك ما هم عليه، لكنّهم جادلوه واستكبروا عن الاستجابة لدعوته؛ فأهلكهم الله تعالى وأنجى شعيبًا ومن آمن معه، كما جاء في قوله: (وَلَمّا جاءَ أَمرُنا نَجَّينا شُعَيبًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا وَأَخَذَتِ الَّذينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحوا في دِيارِهِم جاثِمينَ).[١٣][١٤]


نبي الله إسماعيل

هو نبي الله إسماعيل ابن نبيّ الله إبراهيم عليهما السّلام، وبعثه الله لقبيلة الجراهمة من العرب، وذلك أنّ إبراهيم -عليه السّلام- ترك إسماعيل وكان حينها رضيعًا برفقة أمّه هاجر في مكّة، ولم يكن حينها يسكنها أحد، وأخرج الله تعالى ماء زمزم بعد دعاء هاجر وسعيها؛ فصار العرب يأتون إليهم بعد أن علموا بوجود الماء واستأذنهم الجراهمة في الإقامة عندهم؛ فأقاموا في مكّة وتزوّج إسماعيل -عليه السّلام- منهم وبُعث فيهم نبيًّا، وكان لإسماعيل وقفاتٌ مع والده إبراهيم؛ ومن ذلك قصّة ذبحه من قِبل إبراهيم تصديقًا للرؤيا التي رآها إلّا أنّ الله افتداه بذبحٍ عظيم، ومن مواقفه مساندته لأبيه إبراهيم في بناء الكعبة.[١٥]


نبي الله محمد

وهو خاتم الرسل والأنبياء، بعثه الله تعالى إلى العرب وغيرهم، وكان الأنبياء قبله يبعثون إلى قومٍ مخصوصين، إلا النبيّ محمد -عليه الصّلاة والسّلام- فقد أُرسل لجميع الناس عربهم وعجمهم، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)،[١٦] وجعل دعوته ورسالته: رسالة الإسلام؛ خاتمة الدعوات والرسالات.[٤]


عدد الأنبياء والرسل

الأنبياء والرسل كثيرون جدًّا قصّ القرآن الكريم أسماء جملةٍ منهم بلغ عددهم خمسةً وعشرين نبيًّا، وجاءت السنّة النبويّة على ذكر عددٍ منهم كذلك؛ إلّا أنّ عددًا كبيرًا من الأنبياء والرسل لم يُذكروا ولا يعلمهم إلا الله تعالى؛ بدلالة قول الله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)،[١٧] وأمّا الخمسة والعشرون المذكورون في القرآن الكريم، فهم: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ونوح، وداود، وسليمان، وأيّوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريّا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط؛ حيث ذكروا -عليهم السلام مجتمعين في آيةٍ واحدةٍ من سورة الأنعام، وذُكر آدم، وإدريس، وهود، وصالح، وشعيب، وذو الكفل، ومحمد -عليهم الصلاة والسلام- في مواطن متفرّقةٍ من القرآن الكريم، وأمّا من جاء ذكرهم في السنّة النبويّة فقط دون القرآن الكريم، فهم: شيث ويوشع بن نون عليهما السلام.[٣]


المراجع

  1. سورة فاطر، آية:24
  2. سورة النساء، آية:165
  3. ^ أ ب عمر الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 15-21. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الأنبياء المرسلون للعرب"، إسلام ويب، 15/11/2006، اطّلع عليه بتاريخ 06/09/2021. بتصرّف.
  5. سورة الأعراف، آية:65
  6. سورة الحاقة، آية:6-8
  7. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 120. بتصرّف.
  8. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 78-85. بتصرّف.
  9. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 130-131.
  10. سورة هود، آية:61
  11. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 93-100. بتصرّف.
  12. سورة الأعراف، آية:85
  13. سورة هود، آية:94
  14. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 159-170. بتصرّف.
  15. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 174-177. بتصرّف.
  16. سورة سبأ، آية:28
  17. سورة النساء، آية:164