أرسل الله تعالى أنبياءه ورسله إلى الأمم والأقوام؛ لدعوتهم إلى توحيد الله تعالى وعبادته، وتبشيرهم بثواب الإيمان به، وإنذارهم من عاقبة الشرك والكفر، قال تعالى: (وَما نُرسِلُ المُرسَلينَ إِلّا مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ)،[١] ومن بين الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى: نبي الله يوشع عليه السلام، وتاليًا مزيد تفصيلٍ عنه.


نبي الله يوشع عليه السلام

التعريف بيوشع بنون

ورد ذكر يوشع -عليه السلام- في كتاب الله -عزّ وجلّ- في مَعرض قصة موسى -عليه السلام- مع الخضر بأنّه فتى موسى الذي رافقه، قال تعالى: (وَإِذ قالَ موسى لِفَتاهُ لا أَبرَحُ حَتّى أَبلُغَ مَجمَعَ البَحرَينِ أَو أَمضِيَ حُقُبًا)،[٢] وهو نبيٌ من الأنبياء،[٣] واسمه: يُوشَعَ بْنَ نُونِ بْنِ إِفْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليه السلام،[٤] وقيل إنّه ابن أخت موسى -عليه السلام- وقد كان اسمه الأصلي هوُشَع، ويوشع بن نون من أحد الرجال الاثني عشر الذين أرسلهم موسى -عليه السلام- إلى أرض كنعان، في جهات حلب وحبرون؛ ليَخْتَبِرُوا أهلها ويستطلعوا الخيرات التي في أرضها، وكانت مدّة مكثهم فيها أربعين يومًا، ويوشع بن نون أحد الرجلين اللَّذين شجّعا بني إسرائِيل على دخول أرض كنعان، وقد ذكرهما الله -عزّ وجلّ- في كتابه العزيز فقال: (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).[٥][٦]


مرافقة يوشع بن نون لموسى عليهما السلام

عَهِدَ موسى ليوشع بن نون -عليهما السلام- أن يقسّم الأرض بين أسباط بني اسرائيل بعده، وقد أمر الله -عزّ وجلّ- موسى بأن يولي يوشع بن نون تدبير أمر بني إسرائيل من بعد وفاته؛ فعهد إليه الأمر فأصبح نبيّاً بعد وفاة موسى عليه السلام، ويعدّ كتابه أوّل كتب الأنبياء بعد موسى عليه السلام، وقد رافق يوشع بن نون موسى -عليهما السلام- في رحلته لطلب العلم، وكان موسى مصمّمًا على ألّا ينشغل بشيءٍ آخر حتّى يبلغ مكانًا يسمّى مجمع البحرين، ولكنّ يوشع بن نون خشي أن ينال منهما التعب والارهاق قبل أن يُتمّا مهمتهما بالوصول إليه، وأراد موسى -عليه السلام- أن يصل إلى ذلك المكان؛ لأنّ الله قد أوحى إليه بأنّه سيجد في المكان العبد الذي آتاه الله علمًا أكثر من علم موسى عليه السلام.[٦]


فتح مدينة الجبارين على يد يوشع بن نون

بعد أن أرسل الله -سبحانه وتعالى- يوشع بن نون نبيّاً إلى بني إسرائيل، أمره بالذهاب إلى مدينة الجبارين التي هي أريحا؛ كي يفتحها، وقد اختلف المفسرون حول الذي قام بفتح هذه المدينة؛ فابن عباس وقتادة والسدّي وعكرمة قالوا: إنّ موسى وهارون -عليهما السلام- قد توفيا في التيّه، وتوفّي فيه كلّ شخصٍ دخله ممن بلغ عشرين عامًا باستثناء يوشع بن نون وكالب بن يوفنّا، فأمره الله تعالى بالذهاب إلى مدينة الجبارين؛ كي يفتحها، فامتثل لأمر الله -عزّ وجلّ- وفعل ذلك.[٤]


وقد ورد عن ابن اسحاق أنّ موسى -عليه السلام- قد خرج من التِّيه وذهب إلى مدينة الجبّارين، وبرفقته يوشع بن نون، وقام بفتح المدينة، وذكر قصة بُلعم بن باعور الذي كان يعرف اسم الله الأعظم، وورد إليه قومه من مدينة الجبارين، وعرضوا عليه بأن يدعو على موسى عليه السلام، فامتنع عن ذلك، فألحوا عليه وأصرّوا كثيرًا، وادّعوا أنّ موسى -عليه السلام- يريد أن يعيث في الأرض الفساد ويقتلهم ويخرجهم من أرضهم وديارهم، وألحوا عليه في الأمر كثيرًا حتى استجاب لهم، وحاول أن يدعوعلى موسى -عليه السلام- إلّا أنّ الله تعالى منعه، فلم يستطع الدعاء، ثم بدأ يدبر المكائد والحِيل كي يوقع ببني إسرائيل، وقد ذكره الله -سبحانه وتعالى- في قوله: (وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَّيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ* وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلـكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ).[٧][٤]


وقد استدعى مكرُ بلعم ببني إسرائيل موسى -عليه السلام- أن يأمر يوشع بن نون بدخول مدينة الجبارين والقضاء على من فيها؛ فدخلها فصرع البعض وبقي البعض الآخر، وقد كانت الشمس اقتربت من المغيب؛ فخشي عندها يوشع أن يكون الليل حائلًا بينه وبين القضاء عليهم، فدعا الله -عزّ وجلّ- أن يحبس عليهم الشمس فاستجاب الله له، فقضى عليهم وبعدها دخلها نبي الله موسى -عليه السلام- ومكث فيها حتى مات، وروي أيضًا أنّ يوشع قد اجتمع ببعض ملوك الشام وكانوا قد أعدّوا العُدّة لقتله، لكنّه قاتلهم فهزمهم، وقيل إنّهم قد فرّوا والتجأوا إلى غارٍ ليحتموا فيه، فلحقهم وقام بصلبهم وقتلهم وبعدها أصبح يوشع بن نون ملكًا على كُلِّ الشام.[٨]


فتح يوشع بن نون لبيت المقدس

قصد يشوع بن نون -عليه السلام- بيت المقدس برفقة بني إسرائيل؛ فمروا بنهر الأردن وانتهى الحال بهم إلى مدينة الجبارين؛ أي أريحا، وقيل إنّ يوشع بن نون هو الذي فتح بيت المقدس، وأنّ حبس الشمس له من الله تعالى كان في فتحه لبيت المقدس لا في فتح أريحا.[٩]


موت يوشع بن نون عليه السلام

تدبّر يوشع بن نون -عليه السلام- أمر بني إسرائيل وشؤونهم بعد وفاة موسى مدّة سبعٍ وعشرين سنةً، ورُوي أنّ الله تعالى توفّى يوشع وعمره مئة وعشر سنين، وذكرت رواياتٌ أخرى أنّ الله توفّاه وعمره مئةٌ وعشرون عامًا، وقد دُفِنَ في جبل إفراييم، ولما حضرته الوفاة استخلف كالب بن يوفنا ولم يكن نبيّاً بل كان رجلًا صالحًا، فأقام فيهم على شريعة الله ونهج يوشع بن نون حتّى توفاه الله، وقد خلف من بعده ابنه فأقام أربعين سنةً، سار فيها على نهج أبيه وحكم بالعدل في بني اسرائيل.[١٠]


الملوك بعد يوشع بن نون عليه السلام

تولّى الملك بعد وفاة يوشع بن نون -عليه السلام- عدّةٌ ملوكٍ حكموا الأرض، منهم: أفراسياب الذي كانت أكثر إقامته في بابل، فعاث الفساد في مملكة فارس، وبعد خمس سنين من ملكه أصاب الناس القحط وخَرِبت الثمار، فواجهه ملك يدعى زو فطرده من مملكة فارس، وقام بإصلاح ما أفسده، ووضع عن الناس الخراج لمدّة سبع سنين، فانتعش حال الناس، وعمرت البلاد في زمانه، وقد خلفه من بعده ابنه كيقباد، وكان يشبه فرعون في الكِبر، وقد حدثت بينه وبين أممٍ كثيرة حروبٌ عديدةٌ منهم الترك، واستمرّ ملكه مئة سنة.[١١]


المراجع

  1. سورة الأنعام، آية:48
  2. سورة سورة الكهف، آية:60
  3. سيد حسين العفاني، دروس الشيخ سيد حسين العفاني، صفحة 14. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ابن الاثير أبو الحسن، كتاب الكامل في التاريخ، صفحة 174. بتصرّف.
  5. سورة سورة المائدة، آية:23
  6. ^ أ ب ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 360. بتصرّف.
  7. سورة سورة الأعراف، آية:175-176
  8. ابن الأثير أبو الحسن، كتاب الكامل في التاريخ، صفحة 175-176. بتصرّف.
  9. ابن كثير، كتاب البداية والنهاية ط إحياء التراث، صفحة 376-377. بتصرّف.
  10. ابن الجوزي، كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، صفحة 379. بتصرّف.
  11. ابن الجوزي، كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، صفحة 379-380. بتصرّف.