مدين هي إحدى القبائل العربيّة التي سكنت بين الحجاز والشام، وقيل في مدينة معان، وقد أسبغ الله -تعالى- على قوم مدين نعمًا كثيرةً، منها أنّهم كانوا قلّةً في العدد والمدد فكثّر الله -تعالى- عددهم ومددهم وقوّتهم، قال -تعالى-: (وَاذكُروا إِذ كُنتُم قَليلًا فَكَثَّرَكُم)،[١] وأغناهم الله -تعالى- فأخذوا يتاجرون ويبيعون ما تنتجه بساتينهم من صنوف، وساعدهم على ازدهار بيعهم وتجارتهم موقع مدين المميّز، لكنّهم رغم هذه النعم أشركوا بالله -تعالى- ومارسوا أشكالًا من الفساد؛ فأرسل الله -تعالى- فيهم نبيّه شعيب -عليه السّلام- لدعوتهم وهدايتهم،[٢] وقوم مدين هم ذاتهم في أصحّ أقوال العلماء أصحاب الأيكة؛ حيث اقترن ذكر شعيب فيهم وأنّه مرسلٌ لهم، وقيل إنّ الأيكة شجرةٌ كان قوم مدين يعبدونها،[٣] وقد ورد ذكر مدين في القرآن الكريم باسمهم، وباسم أصحاب مدين، وأصحاب الأيكة، حيث ورد في قول الله -تعالى-: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ)،[٤] وفي قوله -تعالى-: (أَلَم يَأتِهِم نَبَأُ الَّذينَ مِن قَبلِهِم قَومِ نوحٍ وَعادٍ وَثَمودَ وَقَومِ إِبراهيمَ وَأَصحابِ مَديَنَ).[٥]


النبي الذي أرسله الله إلى مدين

بعث الله -تعالى- إلى مدين نبيّه شعيب -عليه السّلام-، قال -تعالى-: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)،[٦] وشعيب -عليه السّلام- من الأنبياء العرب، وقيل إنّه جاء بعد لوطٍ -عليه السّلام- وممّا يؤيّد ذلك قول الله -تعالى- على لسان شعيب مخاطبًا قوم مدين: (وَيا قَومِ لا يَجرِمَنَّكُم شِقاقي أَن يُصيبَكُم مِثلُ ما أَصابَ قَومَ نوحٍ أَو قَومَ هودٍ أَو قَومَ صالِحٍ وَما قَومُ لوطٍ مِنكُم بِبَعيدٍ)،[٧] وسعى شعيب كغيره من الأنبياء -عليهم السّلام- إلى دعوة قومه وهدايتهم إلى توحيد الله وترك الشرك، وإلى التخلّص من الآفات السلوكيّة والمفاسد التي كانوا عليها، فقد كانوا ظلمةً؛ يبخسون حقوق الناس، ولا يوفون الكيل في بيعهم وشرائهم، ويعتدون على الحقوق، ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يجلسون في الطرقات يصدّون الناس عن الإيمان بدعوة شعيب ويخبرونهم أنّه كاذبٌ، فدعاهم شعيب -عليه السّلام- إلى ترك كلّ ذلك كما جاء في قول الله -تعالى-: (وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنينَ* وَلا تَقعُدوا بِكُلِّ صِراطٍ توعِدونَ وَتَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّـهِ مَن آمَنَ بِهِ وَتَبغونَها عِوَجًا).[٨][٢]


عاقبة قوم مدين

استمرّ قوم مدين على كفرهم وتكذيبهم لشعيب -عليه السّلام- ورفضوا التزام ما طلبه منهم من تركٍ للمفاسد التي يرتكبونها، واستنكروا طلبه كما جاء في قوله -تعالى- على لسانهم: (قالوا يا شُعَيبُ أَصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أَن نَترُكَ ما يَعبُدُ آباؤُنا أَو أَن نَفعَلَ في أَموالِنا ما نَشاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الحَليمُ الرَّشيدُ)،[٩] فكانت عاقبة تكذيبهم وإصرارهم على الفساد حلول عذاب الله عليهم، وقد ورد ذكر صفة عذابهم في مواطن ثلاثة من القرآن الكريم، هي:[١٠]

  • الرجفة: حيث أنّ مدين أرجفوا نبيّهم ومن آمن معه ليخرجوهم من بينهم؛ فعوقِبوا بالرجفة كما في قوله -تعالى-: (فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ).[١١]
  • الصيحة: وذلك لأنّ مدين سخروا من شعيب واستهزءوا به؛ فناسب أن يأتيهم الله -تعالى- بصيحةٍ تسكتهم، كما في قوله -تعالى-: (وَلَمّا جاءَ أَمرُنا نَجَّينا شُعَيبًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا وَأَخَذَتِ الَّذينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحوا في دِيارِهِم جاثِمينَ).[١٢]
  • عذاب يوم الظُّلّة: حيث مدّ الله -تعالى- على مدين حرًّا شديدًا لسبعة أيّامٍ، ولم يجدوا ظلًّا يستظلّون به من الحرّ، فأنشأ الله -تعالى- سحابةً أخذوا يقفون تحتها يستظلون بها، فتأجّجت نارًا عليهم.


المراجع

  1. سورة الأعراف، آية:86
  2. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 158-161. بتصرّف.
  3. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 158-159. بتصرّف.
  4. سورة الشعراء، آية:176-177
  5. سورة التوبة، آية:70
  6. سورة العنكبوت، آية:36
  7. سورة هود، آية:89
  8. سورة الأعراف، آية:85-86
  9. سورة هود، آية:87
  10. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 217. بتصرّف.
  11. سورة الأعراف، آية:91
  12. سورة هود، آية:94