شعيب -عليه السلام- أحد الأنبياء الذين أرسلهم الله -سبحانه وتعالى- لدعوة الناس إلى عقيدة التوحيد، والتبشير بالجنّة والتنذير من النار، ومن الأنبياء من ورد ذكر قصصهم ودعوتهم لأقوامهم في القرآن الكريم ومنهم من ذُكرت أسماؤهم فقط دون تفصيلٍ، وشعيب -عليه السلام- من بين الأنبياء الذين ذُكرت جوانب من قصّتهم ودعوتهم لأقوامهم في القرآن الكريم،[١] وفيما يلي حديثٌ عن شعيب عليه السلام؛ دعوته وجوانب من حياته.


نبي الله شعيب عليه السلام

نسب النبي شعيب ولقبه

اختلفت الروايات في نسب شعيب -عليه السلام- وتاليًا ذكر ما ورد في نسبه:[٢]

  • قيل هو شعيب بن ميكيل بن يشجن، ويُقال له بالسريانيةِ يترون.
  • قيل هو شعيب بن يشخر بن لاوي بن يعقوب.
  • قيل هو شعيب بن نويب بن عيفا ابن مدين بن إبراهيم.
  • قيل هو شعيب بن صيفور بن عيفا بن ثابت ابن مدين بن إبراهيم.

وأمّا عن لقبه؛ فقيل إنّ شعيب -عليه السلام- هو خطيب الأنبياء؛ لأنّه كان حَسن الحوار مع الآخرين ومُتأنٍّ في خطابهم.[٣]


قوم شعيب عليه السلام

وهم مدين، وكان أهل مدين يعبدون الأيكة؛ وهي شجرةٌ يلتفّ حولها غيضةٌ؛ أي الموضع الذي يكثر فيه الشجر ويلتفّ،[٤] وكانوا يتّصفون بسوء الخُلق؛ فكانوا معروفين بغشّهم في البيع من خلال البخس في الميزان، والتطفيف في الكيل، فدعاهم شعيب -عليه السلام- إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والبُعد عن هذه الأفعال السيئة، فآمن بعضهم وكفر الأغلبية؛ فأنزل الله -سبحانه وتعالى- عليهم العذاب وأنجى شعيبًا ومن آمن معه.


ذكر شعيب عليه السلام في القرآن الكريم

ورد ذكر النبيّ شعيب -عليه السلام- في عدّة مواضع من القرآن الكريم، ومنها:

  • في سورة الأعراف: حيث جاءت الآيات على ذكر دعوة شعيب قومه إلى عبادة الله تعالى، والسير على الصراط المستقيم، ونهيهم عن المفاسد التي كانوا يفعلونها، وخاصةً في تعاملاتهم بالبيع والشراء، وما حلّ بهم من عقابٍ نتيجة تكذيبهم للنبي شعيب عليه السلام،[٥] قال الله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).[٦][٥]


  • في سورة هود: حيث ذكرت الآيات دعوة النبيّ شعيب -عليه السلام- قومه إلى عقيدة التوحيد، وترك عادة البخس في المكيال والميزان، وإنزال العقاب عليهم بعد استكبارهم، وتنجية الله تعالى لشعيب ومن معه من المؤمنين برحمةٍ منه،[٧] وذلك في قوله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ).[٨][٧]


  • في سورة الشعراء: حيث تحدّثت الآيات الكريمة عن قوم شعيب عليه السلام، وذكرت الآيات صفاتهم من التلاعب بالموازين، وذكرت أيضًا إِنكارهم لنبوة شعيب، وتحدّيهم له واتهامهم له بأنّه مسحورٌ، فأنزل الله تعالى عليهم العذاب، قال تعالى: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ* وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ* وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ* قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ* فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).[٩][١٠]


  • في سورة العنكبوت: وذلك في قول الله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ).[١١]


منهج النبي شعيب في الدعوة

سلك النبيّ شعيب -عليه السلام- منهجًا حكيمًا في دعوةِ قومه مدين إلى الله تعالى، ويظهر ذلك في الأمور الآتية:[١٢]

  • عَرْضُ شعيب -عليه السلام- للقضية الأساسيّة؛ وهي قضية التوحيد والعقيدة.
  • تقديم شعيب -عليه السلام- للأدلة والشواهد الدّالة على صدق دعوته إلى الله تعالى، وأنّه المستحقّ للعبادة وحده.
  • توجيه شعيب -عليه السلام- قومه إلى الإصلاح مُعاملاتهم وأخلاقهم بعد فسادهم وانحرافهم.


هل ابنة شعيب عليه السلام هي زوجة موسى عليه السلام؟

اختلف العلماء فيما إذا كانت زوجة موسى -عليه السلام- هي ابنة النبيّ شعيب -عليه السلام- أم ابنة رجلٍ صالحٍ، وجاء ذكرها في قول الله تعالى من قصّة موسى عليه السلام: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ* قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)،[١٣] فقد ورد في تفسير البغويّ، وشرح العينيّ لصحيح البخاري، والكامل لابن الأثير وغيرهم: أنّ زوجة موسى -عليه السلام- هي صفوراء بنت شعيب وقيل صفوريا، في حين رجّح ابن كثير والسعدي في تفسيرهما أنّ والد زوجة موسى ليس النبيّ شعيب عليه السلام.[١٤]


أين يقع قبر النبي شعيب؟

اختلفت الروايات حول المكان الذي دُفن فيه النبيّ شعيب -عليه السلام- فقيلت في مكان دفنه رواياتٌ عديدةٌ، فيما يلي ذكر بعضها:[١٥]

  • قال السمعاني: قبره في حطين وهي قريةٌ غربيّ طبرية في فلسطين، وقال النوويّ إنّ على قبره بناءً.
  • قال وهب بن منبه: إنّ قبره في مكة المكرّمة غربيّ الكعبة بين دار الندوة وباب بني سهم.
  • قيل إنّه دُفِن في الأردن في جنوبي السلط، وتوجد بركة ماءٍ إلى جانبها شبه دائرةٍ صغيرةٍ تُسمّى مقام النبيّ شعيب.


المراجع

  1. فهد بن عبد الله الصالح (26/10/2017)، "قصة شعيب عليه السلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 09/09/2021. بتصرّف.
  2. إسماعيل بن عمر بن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 275. بتصرّف.
  3. المطهر بن طاهر المقدسي، البدء والتاريخ، صفحة 75-76. بتصرّف.
  4. "تعريف وشرح ومعنى غيضة"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 09/10/2021.
  5. ^ أ ب محمد بن عمر فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب التفسير الكبير، صفحة 312-320. بتصرّف.
  6. سورة سورة الأعراف، آية:85 -86
  7. ^ أ ب محمد بن عمر فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب التفسير الكبير، صفحة 384-393. بتصرّف.
  8. سورة سورة هود، آية:84-86
  9. سورة سورة الشعراء، آية:176-189
  10. في ظلال القرآن سيد قطب، الموسوعة الشاملة لتفسير القرآن الكريم، صفحة 374-375. بتصرّف.
  11. سورة سورة العنكبوت، آية:36-37
  12. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 162-164. بتصرّف.
  13. سورة القصص، آية:26-27
  14. "اسم بنت النبي شعيب ومعنى اسمها"، إسلام ويب، 5/11/2015، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
  15. خير الدين بن محمود الزركلي، الأعلام، صفحة 165-166. بتصرّف.