من هو مدين؟

ذكرت بعض المصادر والمؤلفات أنّ مدين هو اسم ابنٍ ثالث للنبي إبراهيم -عليه السلام-؛ من زوجته الثالثة التي قيل إنّه تزوجها في آخر عمره، واسمها "قَطُورَا"، وقد تزوّج مدين ابنة النبي لوط -عليه السلام-، وقيل أنجب منها عدّة أبناء.[١]


وقد أسكنه والده إبراهيم -عليه السلام- وذريته في منطقة بين مسكن ابنه إسماعيل -عليه السلام، ومسكن ابنه إسحاق -عليه السلام-، حتى سُمّيت هذه البلدة باسمه، فصار يُقال لها مدين،[١] وقد أشارت بعض المؤلفات إلى أنّ هذه الأخبار إنّما هي من مرويات أهل الكتاب.[٢]


ولكن ينبغي التنبيه إلى أنّ مدين هذا لم يقل أحدٌ من المؤرخين والمؤلفين بنبوته، حتى قال بعضهم: "وَقَدْ خَبَطَ فِي نَسَبِ مَدْيَنَ، وَنَسَبِ شُعَيْبٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- جَمْعٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُؤَرِّخِينَ، فَمَا وَجَدْتَ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا فَانْبِذْهُ"؛ وبناءً عليه لا يُوجد نبيٌ اسمه مدين، إنّما هي مدينة اشتهرت بهذا الاسم نسبةً إلى مدين بن إبراهيم -عليه السلام- على قول أهل السير والتراجم، وقد انتسب بعض القوم إلى هذه المدينة فقيل: قوم مدين.[١]


ذكر مدين في القرآن الكريم

ذكر الله -سبحانه وتعالى- اسم قرية مدين في عدّة مواضع من القرآن الكريم، وذلك عند الحديث عن قوم مدين التي بُعث إليها النبي شعيب -عليه السلام-، بالإضافة إلى الحديث عنها في قصة النبي موسى -عليه السلام-، عند ذكر المدينة التي توجّه إليها -عليها السلام- بعدما غادر أرض مصر، وفيما يأتي بيان ذلك:


قوم شعيب عليه السلام

أرسل الله -تعالى- نبيّه شعيب -عليه السلام- إلى مدين؛ فقال -سبحانه- في كتابه العزيز: (وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ...)؛[٣] ومدين هنا يُقصد بها أهل مدين أيّ القوم الذين سكنوا مدينة مدين، أو يُقصد بها بنو مدين؛ أيّ القوم الذين يعودون في أصلهم إلى مدين بن إبراهيم -عليه السلام-.[٤]


وقد أشار الله -سبحانه- إلى قوم شعيب -عليه السلام- باسم مدين في معرض الإخبار عن الإرسال، أمّا في معرض الإخبار عن الذم والعذاب والانتقام؛ فقد أشار إليهم -سبحانه- بأصحاب الأيكة، قال -تعالى-: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ)؛[٥] وبهذا قال بعض المفسرين؛ حيث ذهبوا إلى أنّ الاسمين يُقصد بهما أمة واحدة، هم قوم شعيب -عليه السلام-.[٤]


المدينة التي توجه لها موسى عليه السلام

توجّه موسى -عليه السلام- إلى أرض مدين؛ عندما خرج من أرض مصر خائفاً يترقب من فرعون وجنوده، وذلك لمّا هلك الرجل الذي اعتدى على من كان من شيعة موسى -عليه السلام-؛ قال -تعالى-: (... وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ)،[٦] وقال -تعالى-: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ* وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ...).[٧][٨]


ومن هنا قال بعض أهل العلم أنّ الرجل الصالح الذي كان يسكن أرض مدين مع ابنتيه، والذي ذُكر في قصة موسى -عليه السلام- هو النبي شعيب؛ وقد ردّ هذا القول جمعٌ من أهل العلم لما كان بين بعثة النبييّن من مدة زمنية كبيرة، بالإضافة إلى غيرها من الأدلة المُعتبرة.[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 239-241، جزء 8. بتصرّف.
  2. جواد علي، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، صفحة 99، جزء 2. بتصرّف.
  3. سورة الأعراف، آية:58
  4. ^ أ ب أبو بكر محمد زكريا، الشرك في القديم والحديث، صفحة 285، جزء 1. بتصرّف.
  5. سورة الشعراء، آية:176
  6. سورة طه، آية:40
  7. سورة القصص، آية:22-23
  8. الثعلبي، تفسير الثعلبي الكشف والبيان عن تفسير القرآن، صفحة 422-423، جزء 20.
  9. عبد الكريم الخضير، التعليق على تفسير الجلالين، صفحة 23، جزء 6. بتصرّف.