عدد سنوات دعوة سيدنا نوح

بيّن الله -سبحانه- في القرآن الكريم مدة دعوة سيدنا نوح -عليه السلام- لقومه؛ حيث استمرت دعوته تسعمائة وخمسين سنة قبل حدوث الطوفان؛ قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)،[١] وقد تعددت أساليبه -عليه السلام- في دعوة قومه؛ فكان يدعوهم ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، جماعات وفرادى، ترغيباً وترهيباً، ولكن لم ينفعهم ذلك كلّه؛ وازدادوا كفراً وطغياناً، وبعد كل هذه المدة الطويلة من الدعوة لم يؤمن معه إلا القليل منهم؛ وذلك بشهادة القرآن الكريم حين قال -سبحانه-: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ).[٢][٣]


عمر سيدنا نوح عليه السلام

تعددت أقوال العلماء والمؤرخين في عمر سيدنا نوح -عليه السلام-؛ وذلك لتعدد آرائهم في تفسير الآية الكريمة التي تتحدث عن مدة دعوته -والتي أشرنا إليها سابقاً-؛ ويمكن تلخيص الآراء حول مسألة عمر سيدنا نوح -عليه السلام- على النحو الآتي:[٤]

  • عمره -عليه السلام- ألف وخمسين سنة؛ وهو قول ابن عباس -رضي الله عنهما- وقد رجّحه جمع من العلماء؛ حيث قالوا إنّ سيدنا نوح -عليه السلام- بُعث في قومه وهو يبلغ من العمر أربعين سنة، ثم لبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعاش بعد الطوفان ستين عاماً.
  • عمره -عليه السلام- ألف سنة إلا خمسين؛ وهو قتادة، حيث فسّر ذلك بأنّ سيدنا نوح -عليه السلام- لبث بقومه قبل أن يدعوهم ثلاثمئة سنة، وبقي يدعوهم مثلها، وعاش بعد الطوفان ثلاثمئة وخمسين سنة.
  • عمره -عليه السلام- ألف وستمئة وخمسون سنة؛ وهو قول عون بن أبي شداد، وفسّر ذلك بأنّ سيدنا نوح -عليه السلام- أُرسل إلى قومه وهو ابن ثلاثمئة وخمسين سنة، ودعاهم ألف سنة إلا خمسين، وبعد الطوفان عاش ثلاثمئة وخمسين سنة.


والأقوال في المسألة تطول؛ إلا أنّ أقربها قول ابن عباس -رضي الله عنهما-، وبه قال ابن كثير -رحمه- مع استغرابه الأقوال والروايات المنقولة الأخرى؛ لأنّ ظاهر الآية القرآنية تتحدث عن مدة دعوة سيدنا نوح -عليه السلام- في قومه فقط.[٤]


قوم سيدنا نوح عليه السلام

لمّا طال الزمان من بعد سيدنا آدم -عليه السلام-، بَعُد الناس عن الإيمان، وظهر فيهم الشرك والكفر، وكان قوم -نوح عليه السلام- أول من ظهر فيهم الشرك؛ فقد كان الناس على ملة التوحيد مدة عشرة قرون؛ ففي الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (كان بيْنَ آدمَ ونوحٍ عشرةُ قرونٍ كُلُّهم على شرائعِهِم مِنَ الحقِّ، فلمَّا اختلفوا بَعَثَ اللهُ النَّبيِّينَ والمرسلينَ، وأَنزلَ كتابَهُ فكانوا أُمَّةً واحدةً).[٥][٦]


حتى إنّ الأوثان التي كانت في قوم نوح -عليه السلام- صارت إلى العرب من بعدهم؛ حيث تذكر المصادر أنّ وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً كانوا أسماء رجالٍ صالحين في قوم نوح -عليه السلام-، فلمّا ماتوا أوحى الشيطان للقوم أن يجعلوا لهم مناصب وتماثيل؛ ففعلوا ذلك، وعبدها القوم من وقتها؛ فأرسل الله -تعالى- إليهم سيدنا نوح -عليه السلام- ليعيدهم إلى التوحيد والطريق المستقيم، فمكث فيهم أعظم وأطول مدة يمكثها نبي في قومه.[٦]


وقد استكبر قوم نوح -عليه السلام- وتعاملوا مع دعوته بمنتهى الصدود والإعراض؛ حتى إنهم كانوا يصمّون آذانهم بأصابعهم، ويضعون ثيابهم فوق رؤوسهم إعراضاً عن سماع الحق، ويُصرّون على ذلك تعنتاً واستكباراً بأسوء الطرق وأشدّها.[٣]

المراجع

  1. سورة العنكبوت، آية:14
  2. سورة هود، آية:40
  3. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام، صفحة 499، جزء 6. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ابن كثير ، تفسير ابن كثير، صفحة 268، جزء 6. بتصرّف.
  5. رواه الحاكم، في مستدرك الحاكم، عن عكرمة، الصفحة أو الرقم:3699 ، صحيح على شرط البخاري.
  6. ^ أ ب محمد بن عبد الله زربان الغامدي، حماية الرسول صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، صفحة 54. بتصرّف.