أنبياء الله والموت

بعث الله أنبياءه بالرسالات الصادقة وآتاهم الحُجج والبراهين لإنقاذ الناس من أزمات الشرك وضياع الكفر إلى نور التوحيد، وقد قاسى الأنبياء الابتلاءات وتعرّضوا للتعذيب والمضايقات بسبب دعوتهم، إلّا أنّهم ثبتوا على الحقّ بتأييدٍ من الله لهم بالمعجزات، فكان ذلك سبباً في صبرهم وتحمّلهم، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأنبياء بشرٌ يتعرّضون لِما يحدثُ لكلّ آدمي على وجه المعمورة، فالفرح يحلُّ عليهم وكذلك الحزن، وكذلك الصحة والمرض، وما ذلك إلّا ابتلاءٌ من الله -سبحانه- واختبارٌ لهم في حياتهم وفي دعوتهم، ومن تلك الابتلاءات العظيمة مصيبة الموت.[١]


قبور الأنبياء

لم يثبت أي مكانٍ لقبور الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بشكلٍ قطعيٍ، باستثناء قبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-[٢] الموجود في المسجد النبويّ في المدينة المنورة،[٣] وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (أمّا قبور الأنبياء فالذي اتّفق عليه العلماء هو قبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فإنّ قبره منقولٌ بالتواتر وكذلك قبر صاحبيه).[٤]


تخيير الأنبياء قبل موتهم

ثبت في الصحيح عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ الأنبياء والرسل -عليهم السلام- كانوا يُخيّروا قبل موتهم بين الحياة والموت، فكانوا يختاروا الموت، فقد أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو صَحِيحٌ يقولُ: إنَّه لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا -أوْ يُخَيَّرَ- فَلَمَّا اشْتَكَى وحَضَرَهُ القَبْضُ ورَأْسُهُ علَى فَخِذِ عَائِشَةَ، غُشِيَ عليه، فَلَمَّا أفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ في الرَّفِيقِ الأعْلَى، فَقُلتُ: إذنْ لا يُجَاوِرُنَا، فَعَرَفْتُ أنَّه حَديثُهُ الذي كانَ يُحَدِّثُنَا وهو صَحِيحٌ)،[٥] وأخرج عنها أيضاً: (سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ما مِن نَبِيٍّ يَمْرَضُ إلَّا خُيِّرَ بيْنَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وكانَ في شَكْوَاهُ الذي قُبِضَ فِيهِ، أخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يقولُ: {مع الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عليهم مِنَ النبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ} فَعَلِمْتُ أنَّه خُيِّرَ).[٦][٧]


الهدي النبوي في زيارة القبور

كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُحبّ الخير لأمّته دائماً، سواءً في حياتهم أو بعد موتهم، فكان من رحمته عند زيارة قبور الموتى أن يبدأها بالدعاء والاستغفار لهم والترّحم عليهم؛ وعلّم الأمةَ من بعده ما تقول إذا ذهبت لزيارة القبور، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أتَى المَقْبُرَةَ، فقالَ: السَّلامُ علَيْكُم دارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بكُمْ لاحِقُونَ).[٨]


السفر لزيارة القبور

نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أمّته عن السفر لزيارة القبور، استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تَشُدُّوا الرِّحالَ إلَّا إلى ثلاثةِ مَساجِدَ؛ مَسْجِدي هذا، والمسجِدُ الحرامُ، والمسجِدُ الأقصى).[٩][١٠]


المراجع

  1. الشيخ ندا أبو أحمد (23/9/2013)، "الأنبياء وسكرات الموت"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2021. بتصرّف.
  2. السمهودي، كتاب خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى، صفحة 116. بتصرّف.
  3. محمد صالح المنجد (24/12/2004)، "وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده مع النهي عن اتخاذ القبور مساجد"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 7/9/2021. بتصرّف.
  4. حسام الدين عفانة، كتاب اتباع لا ابتداع قواعد وأسس في السنة والبدعة، صفحة 195. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4437، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4586، صحيح.
  7. محمد صالح المنجد (1/3/2009)، "ما ورد في تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 7/9/2021. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:249، صحيح.
  9. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:827، صحيح.
  10. "المطلب الحادي عشر: السَّفَر إلى القُبورِ"، الدرر السنية الموسوعة الفقهيّة، اطّلع عليه بتاريخ 7/9/2021.