أورد الله تعالى قصّة قوم صالح ودعوته إليهم وكيف كانت عاقبتهم وما حلّ بهم من عذابٍ في مواطن عدّةٍ من القرآن الكريم، كما في قول الله تعالى: "كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا* إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا* فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ نَاقَةَ اللَّـهِ وَسُقْيَاهَا* فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا".[١]


عذاب قوم صالح الصيحة والرجفة

طالب ثمود نبيّهم صالحًا -عليه السّلام- بأن يأتهم بمعجزةٍ تُثبت صدقه؛ حتى يؤمنوا له، وتحدّوه بأن يُخرج لهم من الصخر ناقةً، فتوجّه صالحٌ إلى الله تعالى بالدعاء، فأخرج الله تعالى من الصخر ناقةً، ونهاهم صالح -عليه السّلام- عن إيذائها، ونبّههم أنّ للناقة أن تشرب يومًا ويشربون هم في اليوم الذي يليه، لكنّهم لم يستجيبوا لما أمرهم به، وقاموا بتدبيرٍ بينهم لتخلّص من الناقة وذبحوها، فتوعّدهم صالحٌ -عليه السّلام- بعذابٍ من الله تعالى سيحلّ بهم بعد أيّامٍ ثلاثةٍ، وأخذوا يسخرون منه عليه السّلام؛ فحلّ عليهم من الله تعالى عذابٌ أهلكهم ودمّر مساكنهم وقصورهم، وسلّم الله تعالى صالحًا ومن آمن معه، يقول الله تعالى واصفًا حوار صالح مع ثمود وما حلّ بهم بسبب كفرهم: "قَالَ هَـذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ* فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ* فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ"،[٢][٣] وأمّا عن طبيعة العذاب الذي حلّ بهم؛ فأرسل الله تعالى عليهم رجفةً زعزعتهم وأهلكتهم، والرجفة هي الصيحة الشديدة،[٤] ومصداق ذلك قول الله تعالى: "فَلَمّا جاءَ أَمرُنا نَجَّينا صالِحًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا وَمِن خِزيِ يَومِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القَوِيُّ العَزيزُ* وَأَخَذَ الَّذينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحوا في دِيارِهِم جاثِمينَ* كَأَن لَم يَغنَوا فيها أَلا إِنَّ ثَمودَ كَفَروا رَبَّهُم أَلا بُعدًا لِثَمودَ".[٥]


قوم صالح

أُرسل صالحٌ -عليه السّلام- إلى قوم ثمود؛ قال تعالى: "وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها فَاستَغفِروهُ ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي قَريبٌ مُجيبٌ"،[٦] وهم قبيلةٌ من العرب العاربة الذين أقاموا في الحجر الواقع بين الحجاز وتبوك، وقد جاؤوا خلفًا لقوم عادٍ، ومكّن الله تعالى لهم في الأرض وأمدّهم بالقوّة؛ فكانوا ينحتون بيوتهم وقصورهم في الجبال كما جاء في قول الله تعالى: "وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ وَبَوَّأَكُم فِي الأَرضِ تَتَّخِذونَ مِن سُهولِها قُصورًا وَتَنحِتونَ الجِبالَ بُيوتًا"،[٧] وكان ثمود يعبدون الأصنام، فدعاهم صالحٌ -عليه الصّلاة والسّلام- إلى الإيمان بالله وتوحيده، فلم يستجيبوا وعاندوا صالح وكذّبوه ولم يؤمن بدعوة صالح إلّا طائفةٌ منهم رغم كلّ ما أنعم الله تعالى به عليهم من النعم وإغداقه عليه بأن رزقهم بساتين وأشجارٍ مثمرةٍ وعيون ماءٍ، كما في قوله تعالى: "أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ"،[٨] ولم يقتصروا على الكفر بدعوة صالح -عليه الصّلاة والسّلام- وتكذيبه؛ بل آذوه بأفعالهم وأقوالهم حتى أنزل الله تعالى عليهم العذاب وأهلكهم.[٩]


المراجع

  1. سورة الشمس، آية:11-14
  2. سورة الشعراء، آية:155-158
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 419. بتصرّف.
  4. أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري، صفحة 544-545. بتصرّف.
  5. سورة هود، آية:66-68
  6. سورة هود، آية:61
  7. سورة الأعراف، آية:74
  8. سورة الشعراء، آية:146-148
  9. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 150-154. بتصرّف.